الأحد الثامن من زمن العنصرة

 بقلم الخوري نسيم قسطون –

يبدأ نصّ اليوم من إنجيل القدّيس متّى (متى 12/14-21) 
بالقول: "وخَرَجَ الفَرِّيسِيُّونَ فَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِيُهْلِكُوه" والمقصود طبعًا
هو يسوع.
سؤالٌ يطرح على ضمير كلّ واحدٍ منّا: كم مرّة نتشاور فيما بيننا
لنُهلك يسوع؟
طبعًا قد يتبادر إلى أذهاننا الإستغراب فكيف يمكن أن نتشاور
لنهلكه؟
الجواب على الإستغراب هو:
 نتشاور لنُهلك يسوع في كلّ مرّة نجتمع لنتبادل أطراف
الحديث عن فلان أو فلانة وطبعًا "بالعاطل"!
 نتشاور لنُهلك يسوع في كلّ مرّة نجتمع لنحضّر ضربًا
لصالح فلان على حساب فلان!
 نتشاور لنُهلك يسوع في كلّ مرّة نضع نفسنا خارج الكنيسة
ونتكلّم عنها بالسوء بدل أن نلفت نظرها إلى الأخطاء!
 نتشاور لنُهلك يسوع في كلّ مرّة نصرف المال على
رفاهيّتنا ونحرم منه من هو بحاجةٍ ماسّة إليه!
 نتشاور لنُهلك يسوع في كلّ مرّة نخجل من الشهادة لإسم
المسيح ونُحاضر في الدفاع عن زعماء هذه الارض!
 نتشاور لنُهلك يسوع في كلّ مرّة نتّهم الربّ بظلمنا لأنّه
يرشدنا إلى الصواب!
إنجيل اليوم يتوجّه بقوّة إلى مسيحييّ اليوم لا سيّما في ظلّ
الظروف الّتي نحياها ونراها أو نسمع بها!
فكثيرٌ من المسيحيّين بعيدون جدًّا عن فكر يسوع المسيح بمقدار
بعد الفرّيسيّين في نصّ اليوم عنه.

فهم أمام هول الأحداث الّتي نشهدها، يميلون ضمنًا لإعتماد أفكارٍ
أو مواقف بعيدة كثيرة عن تعليم الربّ يسوع.
يتمنّون ربّما أن يكون للمسيحيّة "ذراعٌ عسكريّ" يواجه العنف
بالعنف والإضطهاد بمثله تحت عنوان الدّفاع عمّن يضطهدون، أيّ
ممّن رموا تعاليم يسوع في بحر جهلهم لها!
المضحك المبكي هو أنّ معظم من يأخذون المواقف هم من
البعيدين عن مسرح الأحداث ومن المكتفين بالتنظير حتّى على يسوع
نفسه الّذي لا يفهم بالإستراتيجيّات بنظرهم ومن الدّاعين إلى تعاليم
غير واقعيّة برأيهم كالصّفح والغفران والمحبّة الشاملة!
كلّهم يردّدون: "الكنيسة… الكنيسة…".
ولكن، ما هي الكنيسة من دونك يا من تنظّر؟ أين دورك فيها؟
وهل هو قائمٌ فقط على "التنظير من بعيد" فيما لا تريد أن تتّسخ يداك
بوحلٍ الأزمات؟
لم تَخَف كنيستنا يومًا من الشهادة التي لطالما روتها وأنضجتها،
ولكن ويل للمسيحيّة إن قلّ فيها الشهود أو ندروا!
لنتعلّم من الربّ يسوع الّذي لن يواجه تشاورنا ضدّه بالعنف
المضاد، فهو لم يتجسّد ليؤسّس مملكةً قائمةً على العنف… ولم يتألّم
ليجعل سواه يتألّم… ولم يمت لأنّه يريد لنا الموت، بل أراد لنا
الحياة… ولم يقم منتصراً كي ينتقم ممّن عادوه…
لقد واجه الربّ يسوع كلّ ما تعرّض له من عنف واضطهاد
بالوداعة والمسالمة لأنّ حلقة العنف لا تكسر إلّا بالمحبّة التي تختلف
جذريًّا عن الحبّ ففارق الحرفين (الميم في الأوّل والتّاء في الآخر)
يصنع كلّ الفرق:
 الميم هي المسيح الّذي هو المحبّة المطلقة…
 التّاء هي التضحية التي تعطي المحبّة عمقها ومعناها…
فمن يرغب الحبّ ويهمل المحبّة لم يعرف المسيح حقيقةً ولن
يكون لتضحياته معنًى… لا بل ربّما يؤول حبّه إلى حقدٍ كما تحوّل
الكثير من اليهود عن المسيح وصاروا من أعدائه!

لقد قام الربّ بذلك كلّه كي يبدأ مع قيامته عهدٌ جديد إستمرّ فيه
الإضطهاد ولكن الكنيسة إنطلقت على العالم…
لا يفهم العالم أحياناً أن الحرب لا تقود إلى سلامٍ حقيقيّ، بل تغذّي
الحقد والكراهيّة والتمييز بين النّاس وخاصّةً بين الغالب والمغلوب!
فلنسأل الله اليوم، في هذا الأحد، أن يُحِلَّ روحهُ في قلوبنا فنكون
من المحبّين والمسالمين، على مثال الربّ يسوع، له المجد إلى الأبد،
آمين.

اترك تعليقاً