الأحد الثاني بعد عيد الصليب

You are currently viewing الأحد الثاني بعد عيد الصليب

الخوري نسيم قسطون:

في خضمّ الحياة المتسارعة، حيث تتزاحم الأصوات وتتداخل الرؤى، يتردد صدى دعوة قديمة، تحثّنا على التبصّر واليقظة. دعوة تحذرنا من الانزلاق في متاهات الضلال، وتذكّرنا بأن الحقّ هو البوصلة التي تهدينا في بحر الشكوك والأوهام.

كم من “أنبياء كذبة” يطلّون علينا اليوم، يرتدون أقنعةً براقةً، ويعدوننا بالخلاص السريع، والحلول السحرية لمشاكلنا المعقدة. يغروننا بالثروة، والشهرة، والسلطة، ويصوّرون لنا هذه الأمور على أنها غايات مقدسة، تستحق التضحية بكل شيء في سبيلها. لكن، أليس هذا تزييفاً للحقائق؟ أليست هذه وعوداً زائفة، لا تحمل في طياتها سوى السراب والخيبة؟

إنّ منطق الربّ يسوع يختلف جذرياً عن هذا المنطق الدنيويّ. فهو لا يركز على المظاهر الزائلة، بل على الجوهر الخالد. لا يدعونا إلى التشبث بالماديات، بل إلى السعي نحو ملكوت الله والعيش، وفق قيمه ومبادئه. ملكوت يتجلى في المحبة، والرحمة، والتسامح، والعدالة.

إنّ الألم والمرض والموت، ليست عقوبات إلهية، بل هي جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة. هي محطات عبور، وفرص للتطهير والنمو الروحي. فلننظر إليها بعيون الأم التي تنتظر مولودها بلهفة، لا بعيون الأم الثكلى التي تودّع ابنها الفقيد. لنستمدّ منها القوة والعزيمة، لكي نواصل المسير نحو الهدف الأسمى: اللقاء الدائم مع الرب.

الكنيسة، ليست مجرد مؤسسة دينية، بل هي جماعة المؤمنين، الذين يسعون جاهدين للعيش وفق تعاليم المسيح. قد تخطئ الكنيسة، وقد تزلّ أقدامها، لكنها تبقى الأم التي ترعانا، وتحمينا من الضلال. فلنكن حذرين من الذين يحاولون الفصل بين المسيح والكنيسة، والذين ينتقدون الكنيسة لمجرد الانتقاد. فالتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، ويستمر في الداخل، جذوره راسخة في المحبة والتواضع.

لا تخف من الاضطهادات، سواء كانت من الخارج أو من الداخل. فالاضطهادات هي اختبار للإيمان، وفرصة لتعميق العلاقة مع الله. تذكر أن المسيح قد انتصر على الصليب، وأن نهاية الشرّ قد بدأت بالفعل. استعدّ لبداية يومية مع الله، تنهي فيها كل يوم أمراً من الأمور التي تبعدك عنه. كن فطناً وحذراً، وميّز صوت الربّ وسط كل أصوات هذا العالم. عندها فقط، ستجد السلام الحقيقي، والسعادة الأبدية.

اترك تعليقاً