الخوري نسيم قسطون:
إن تأمّلنا في لقاء يسوع بالمرأة الكنعانيّة (متى 15: 21-28)، يتجلّى أمامنا مشهد عميق يُظهِر كيف أنّ محبّة الله تتخطّى الحدود الدينيّة والاجتماعيّة. فالمسيح، رغم أنّ رسالته بدأت في بيت إسرائيل، لم يتجاهل صرخة امرأةٍ تُعتبر “غريبة” عن الشعب المختار، بل استجاب لها بعدما أظهرت إيمانًا صادقًا وثقة كاملة بقدرته. هذا الإيمان الذي أشاده الربّ لم يكن وليد معرفة نظريّة أو انتماء إلى تراثٍ دينيّ، إنّما كان نابعًا من قلبٍ عطشان للخلاص غير خائفٍ من الاعتراف بعدم استحقاقه. ويدعونا هذا الحدث إلى أن نتخلّى عن موقف “الاستحقاق” الذي يتسلّل أحيانًا إلى حياتنا عندما نظنّ أنّ قربنا الظاهري من الكنيسة يكفي لننال النعمة. المرأة الكنعانيّة لم تنشغل بالسجالات الدينية ولا بالتقاليد الاجتماعيّة، بل ركّزت على شخص الربّ نفسه: لقد نظرت إلى يسوع كمخلّص حقيقيّ وألقت عند قدميه كلّ احتياجاتها وهمومها، فكان أن بدّل كلمة “لا يَحسُن” (متّى 15:26) بمديحٍ رائع: “عظيمٌ إيمانكِ” (متّى 15:28(.
وهنا يظهر وجهٌ آخر لهذا اللقاء، وهو دعوة يسوع لنا كي نتحرّر من انغلاقنا على الذات، فنعي أنّ رسالة الإنجيل موجّهة لكلّ إنسانٍ ينفتح إلى عمل الله مهما كان انتماؤه. هذا ما اكتشفه الرسل في خبرتهم مع الروح القدس، عندما أدركوا أنّ الخلاص لا يُقاس بالمكان ولا بالانتماء، بل بانفتاح القلب على رحمة الله.
إنّ نصّ المرأة الكنعانيّة يوقظ ضميرنا ويدفعنا إلى أن نطرح على أنفسنا أسئلة صادقة: هل نذهب إلى الكنيسة بدافع العادة أو من أجل الظهور، أم لأنّنا ندرك أنّ كلمة الربّ، ولو بدت أحيانًا “فتاتًا”، كافية لتجديد حياتنا؟ هل نمتلك جرأة هذه المرأة لنكسر قيود العادات والشكليات، فنعترف بعجزنا ونطلب بتواضع أن يسكُن الربّ قلبنا حتّى وإن لم يغيّر الظروف فورًا؟ لقد نالت هذه المرأة النعمة ليس لأنّها حاولت أن تبدو “أفضل” بل لأنّها جعلت من إيمانها جسرًا يربطها بالربّ رغم كلّ الحواجز.
فلنفتح نحن أيضًا قلوبنا، واثقين بأنّ يسوع لا يرفض أحدًا يتقدّم إليه بإيمان صادق، وعلّنا نسمع صوته يقول لنا كما قال لها: “فليكن لك كما تريد”.