الخوري نسيم قسطون –
الأسلوب المعتمد في إنجيل اليوم (متى 24: 1-14) يتناسب مع الأسلوب
الرؤيويّ الّذي كان سائدًا في تلك الحقبة والّذي إستخدمه الربّ في معرض
كلامه عن النّهايات لتحذير المؤمنين من خطر الإنزلاق إلى الخوف والقلق
المبنيين على جهل المستقبل…
من الطبيعي، لمن لا يدرك هذا الأمر، من بين المؤمنين، أن يقلق ويضطرب
لشدّة قساوة الصور الواردة خاصّةً في بداية هذا النصّ.
ولكن، كلّ علامات النهاية المشار إليها في نصّ اليوم تشير إلى أحداثٍ جرت
في القرن الأوّل وفق معظم الدراسات ويمكن اعتبارها إشاراتٍ لأمورٍ تحدث
أحيانًا، في كلّ يوم، إن تنبّهنا إلى أنّه يكفي أن يكون المسيحيّ غير عابئ
بتعاليم المسيح كي يكون "مسيحًا دجّالاً"… فهو حمل إسم المسيح وصورته
يوم المعموديّة كي يشعّ بحضوره في كلّ يوم وليس فقط في المناسبات!
من يفهم أسلوب الربّ يسوع في نصوصٍ مشابهة لنصّ اليوم، لن يجد في
كلامه ما يدعو إلى الخوف خاصّة أنّ ما ذكره كان موجودًا على الدّوام في
مختلف حقبات الحياة البشريّة…
جلّ ما في الأمر هو دعوةٌ إلى التنبّه إلى مخاطر تَمَكُّن الخوف والخطر من
زعزعة رجائنا وإيماننا بالله ومن حجب وجهه المشرِق في الخلاص الّذي
منحنا إيّاه الربّ وفي وجوه القدّيسين وكلّ الّذين يترجمون محبّته بسلوكهم
وأقوالهم وحياتهم!
إنجيل اليوم يدعونا إلى الإنقلاب على بعض المفاهيم السائدة حتى يومنا حول
الموت والألم والشقاء كقصاص إلهيّ وإلى الدخول في منطق الربّ يسوع
الّذي يركّز على النتيجة لا على الوسيلة.
فالألم من أجل الألم ليس من المنطق المسيحيّ بل الألم الّذي لا يشوّش على
إيماني هو الّذي يفهمني أن الألم لا يؤثّر على علاقتي بالله الّذي يحبّني دون
شروط وكما أكون عليه، سواء كنت مريضاً أو مجروحاً أو مفجوعاً بالموت
الّذي ليس سوى بوابة عبور للقاءٍ دائمٍ مع الربّ رغم صعوبته على مودّعي
الميت الّذين غالباً ما ينسون أنّه انتقل ويتعاملون مع جثمانه البارد على أنّه قد
انتهى أو فني!
خاتمة نصّ اليوم تحمل الكثير من الرّجاء لأنّها تفتح أفق الخلاص عبر تأكيد
انتشار البشارة بالإنجيل في المسكونة كلّها…
قد يقول أحدهم: نحن نعيش في زمان التكنولوجيا والإعلام وقد وصل الإنجيل
إلى العالم كلّه فهل يعني ذلك أنّنا اقتربنا من النّهاية؟!
الإجابة بسيطة: نحن نعيش في زمن نهاية الشرّ منذ انتصار الربّ على
الصليب ولكنّ انتشار نصّ الإنجيل لا يعني بأنّ الناس يعيشون بموجب ما
ورد فيه وبالتالي نهاية البشارة هي بدايةٌ جديدة وليست نهاية مخيفة لأنّها
ترتبط حكماً بالسّلام والأمان والسعادة!
فهل نستعدّ يوميّاً لبدايةٍ يوميّة مع الله، ننهي فيها، كلّ يوم، أمراً من الأمور
الّتي تبعدنا عنه؟!
Share via: