الأحد الخامس عشر من زمن العنصرة

الخوري نسيم قسطون:

في هذا الأحد، تتأمّل الكنيسة في معنى المغفرة الإلهية وعمق رحمة الله، من خلال مثل المديونين والمرأة الخاطئة التي قدمت إلى بيت سمعان الفريسي (لوقا 7: 36-50)

القصة تجسّد تناقضًا بين موقفين: موقف الفرّيسي الّذي دعى يسوع لتناول الطعام في بيته، ولكنّ كان قلبه مغلقًا أمام محبّة لله، وبين موقف المرأة التي لم تكن مدعوّة، لكنها جاءت بقلب مليء بالتوبة.

إن التأمّل في النصّ يظهر لنا أنّ دعوة الفريسي ليسوع لم تكن نابعة من محبة صادقة، بل من رغبة في التفاخر أمام الآخرين والظهور بمظهر المتديّن. فهو لم يدرك أن يسوع، الضيف الذي استقبله، كان هو الّذي يعلم خفايا القلوب وأنّه سيدرك أنّ نظرته للمرأة الخاطئة هي نظرة استعلاء وإدانة مبنيّة على حكم مسبقٍ عليها بأنها غير مستحقة للغفران.

هذا الموقف يذكّرنا بأنّه، حين نعتبر أنفسنا “أفضل” أو “أبرارًا” بالنسبة للآخرين، نقع في فخ الدينونة ورفض الآخرين، دون أن ندرك أن هذا الفعل بحد ذاته هو خطيئة أشد فظاعة.

على النقيض، كانت المرأة الخاطئة مثالًا حيًّا عن التوبة الصادقة والشجاعة. بدون دعوة مسبقة، كسرت حاجز العار والخوف، ودخلت بيت الفريسي لتقدّم ليسوع أفضل ما عندها، دموعها وطيبها. تلك الدموع لم تكن مجرد رمز لحزنها على ماضيها، بل كانت تعبيرًا عميقًا عن توبتها ورغبتها في التغيير. لم تكن تبحث عن الاعتراف المجتمعي أو قبول الآخرين، بل كانت تسعى للحصول على الغفران من الله ذاته.

لقد جاء الربّ يسوع إلى بيت الفريسي ليس فقط ليكون ضيفًا في وليمة ماديّة، بل ليكون صاحب وليمة روحية، حيث يدعو الجميع، مهما كانت خطاياهم، إلى مائدة الغفران. لم يرفض يسوع دعوة الفريسي، رغم ما تحمله من انتقادات وخبث، بل استخدم هذا الموقف ليعلّم درسًا عظيمًا في المحبة والرحمة. وبغفرانه للمرأة، أظهر أن الغفران مرتبط بالمحبة الحقيقية، وأن الرحمة تتخطى جميع الحواجز البشرية والشريعة الاجتماعية.

يدعونا هذا النصّ إلى مراجعة أنفسنا، والعودة إلى الله بتوبة صادقة.

في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا أحيانًا نغرق في دوامة الأنانية والاعتزاز بالنفس، نغلق قلوبنا على الآخرين ونتردد في منحهم فرصة للتوبة أو التغيير. ولكن يسوع يدعونا لنتحرر من هذه القيود، لنفتح قلوبنا للرحمة والمغفرة، وأن نكون مثل المرأة الخاطئة التي تجرأت على كسر جدران الصمت والخطيئة لتقترب من الله. المسيح ينادينا جميعًا، داعيًا إيانا إلى مائدة الغفران، حيث تتحول الخطايا إلى فرصة جديدة للحياة في النعمة والمحبة.

لا يكفي أن ندعو الله بأفواهنا، بل يجب أن نفتح قلوبنا له كما فعلت المرأة الخاطئة. لا يجب أن نحكم على الآخرين، بل علينا أن نسعى للمغفرة والتسامح كما نطلب نحن المغفرة من الله فالعلاقة بين الإنسان والله ليست طريقًا باتجاه واحد، بل هي علاقة متبادلة من المحبة والاحترام والتضحية.

اترك تعليقاً