الأحد الرابع من زمن العنصرة – عيد الرّسولين بطرس وبولس

You are currently viewing الأحد الرابع من زمن العنصرة – عيد الرّسولين بطرس وبولس

الخوري نسيم قسطون:

الحياة الروحيّة ليست خطًّا مستقيماً، بل مساراً متعرّجاً تتداخل فيه النقائص مع النِعم، والسقوط مع النهوض. وفي عيد الرّسولين بطرس وبولس، نجد صورتين متكاملتين للإنسان الباحث عن الله: صورة التلميذ الذي يعرف ضعفه ويحوّله إلى قوّة، وصورة المُبشّر الذي يغيّر مسار حياته بالكامل ليصير شاهداً لا يكلّ.

بطرس، ذلك الصيّاد البسيط، كان يعيش تناقضاً واضحاً بين قلبه المُتعلّق بيسوع وسلوكه البشريّ الهشّ. أحبّ بكلّ جوارحه، لكنّه أنكر. آمن بكلّ قوّة، لكنّه شكّ. لم تكن تناقضاته عيباً في مسيرته، بل كانت البوّابة التي عبر منها إلى عمق الإيمان. حين قال ليسوع: “تباعد عنّي يا ربّ فأنا خاطئ”، لم يكن يرفض القرب، بل كان يعترف بحاجته إليه. لم يُخفِ عجزه وراء الأعذار، بل سلّمه للمسيح ليملأه نعمة. وهنا يكمن الدرس الأوّل: الإيمان الحقيقيّ لا يطلب الكمال، بل يطلب الجرأة في الاعتراف بالنقص.

أمّا بولس، فكانت مسيرته انعطافةً جذريّة. من مضطهِدٍ إلى مُبشّر، ومن عدوٍّ للكنيسة إلى عمادٍ من أعمدة رسالتها. لم تكن قوّته في براءته من الخطأ، بل في قدرته على تحويل ماضيه إلى وقودٍ للمستقبل. حين سقط على طريق دمشق، لم يصرخ مُتبرّئاً، بل سأل: “ماذا تريد أن أفعل؟”. الإستعداد الدائم الذي عاشه لم يكن شعاراً نظريّاً، بل التزاماً يوميّاً، حتى في السجن والاضطهاد.

هذان الرجلان، رغم اختلاف مسيرتيهما، يجتمعان عند نقطة حاسمة: لم يسمحا لضعفهما أن يكون نهاية المطاف. بطرس حوّل خوفه إلى شجاعة، وبولس حوّل عنفه إلى حماسة. والكنيسة، التي تأسّست على هذين العمودين، تذكّرنا بأنّ القداسة ليست عدم سقوط، بل قدرة على القيام بعد كلّ سقوط.

اليوم، نحن مدعوّون إلى نفس النظرة. كم من مرّة نختبر ذلك التناقض بين إيماننا وأفعالنا؟ كم من مرّة نرفض أن نكون شهوداً لأنّ الظروف غير مناسبة، أو لأنّنا “غير مستحقّين”؟ بطرس يقول لنا: لا تخف من ضعفك، فمنه تُبنى القوّة. وبولس يهمس في أذننا: لا تهتمّ بالماضي، فالرحمة تُعيد كتابة كلّ شيء.

في النهاية، العيد ليس مجرّد ذكرى، بل دعوةٌ شخصيّة. فكما حوّل المسيح حياة بطرس وبولس، يريد أن يحوّل حياتنا. السؤال ليس: “هل أنت مستحق؟”، بل: “هل أنت مستعدّ؟”. الاستعداد لا يعني أن تكون كاملاً، بل أن تكون واثقاً بأنّ الذي بدأ فيك عملاً صالحاً سيُتمّه.

اترك تعليقاً