الخوري نسيم قسطون:
محبة القريب هي دعوة إلهيّة للحبّ الخالص والإنسانية التي تتجاوز الأنانية الضيقة. ففي عالمنا اليوم، حيث تتعاظم الفجوات بين الأفراد وتزداد الحواجز التي تقف عائقًا أمام المحبة الحقيقية، تأتي دعوة الإنجيل اليوم لتذكّرنا بقيمة الرحمة، تلك التي تشفي الأرواح وتعيد بناء جسور المحبة بين الناس.
في تأملنا لمثل السامري الصالح (لوقا 10: 25-37)، نجد مثالًا ساطعًا على كيفية التعامل مع الآخرين برحمة ومودة. السامري لم يسأل ماذا سيحدث له إذا توقف لمساعدة الجريح، بل فكر بما سيحدث للجريح إن لم يتوقف وفق ما كتب المدافع عن حقوق السود مارتن لوثر كينغ.
هذه الفكرة تتجاوز الأنانية وتحفزنا للنظر إلى الآخرين كامتداد لأنفسنا، وكجزء لا يتجزأ من وجودنا. فالتوقف عند مشكلات الآخرين ومحاولة مساعدتهم يعكس فهمًا عميقًا لمحبة القريب كحب للنفس.
لكنّ كثيرين يخلطون بين الأنانية وحب النفس. الأنانية هي الرغبة في كلّ شيء لنفسك حتى لو كان على حساب سعادة الآخرين، بينما حبّ النفس الحقيقي يتجلى في الرغبة في الخير لنفسك وللآخرين. هذا الفارق الشاسع يظهر بوضوح عندما نفكر في كيفية تأثير أفعالنا على الآخرين. إن كانت محبّة النفس تعني العناية بذاتك بطرق تجعلك تعيش في سلام وسعادة، فهي أيضًا تعني السعي إلى أن يكون من حولك سعيدًا ومرتاحًا.
محبة النفس تفرض على الإنسان أن يقتلع أسباب الفتنة والصراعات، وأن يسعى لتحقيق السلام الداخلي من خلال مغفرة الآخرين. هذه المغفرة ليست فقط عملًا تجاه الآخرين، بل هي قبل كل شيء عملٌ نحو الذات، لأنها تخفف من عبء الحقد والضغينة، وتفتح المجال أمام لحظات السعادة والتوازن النفسي.
في هذا السياق، نجد أن الطاعة لله وحبّ القريب جزء لا يتجزأ من حبّ النفس. فطاعة الله ليست مجرد تنفيذ للأوامر، بل هي وسيلة للوصول إلى حياة مليئة بالسلام الداخلي والمحبة الحقيقية. ومن يحب الله بصدق، ويحب قريبه كما يحب نفسه، يكتشف أن حياته تصبح أكثر سعادة وهدوءًا.
الرحمة التي يتحدث عنها الرب يسوع هي دواء ناجع لكثير من أمراض مجتمعنا. فعلاقات الناس اليوم تتصف بالكثير من القسوة والجفاء، وكأنما أصبحت المحبة عملة نادرة لا يتداولها إلا من رحم ربي. هذه الرحمة التي يدعونا إليها الإنجيل هي التي تجعلنا نتخطى العصبيات الاجتماعية والدينية والسياسية، وتدفعنا للنظر إلى الإنسان الجريح أو المضطهد كأخ لنا يستحق المحبة والدعم.
في نهاية المطاف، نجد أن الحبّ الحقيقي للقريب هو انعكاس لحبنا لله وحبنا لأنفسنا. إنه الدعوة التي تحثنا على أن نكون أداة للسلام والرحمة في هذا العالم المضطرب. وكما قال الرب يسوع، الرحمة هي الدواء الذي يمكنه شفاء الكثير من أمراض مجتمعنا، وهي الجسر الذي يمكننا من خلاله عبور كل الحواجز والعوائق التي تقف بيننا وبين الآخرين.
إذا تأملنا في هذه المفاهيم العميقة، نجد أن المحبة هي مفتاح الحل لكثير من المشكلات التي تواجهنا. فإذا أحببنا بعضنا بعضًا كما أحبنا الله، وإذا أحببنا قريبنا كنفسنا، فإننا بذلك نزرع بذور السلام والفرح في عالمنا، ونجعل من حياتنا وحياة من حولنا رحلة سعيدة ومليئة بالمحبة الصادقة.
Share via: