الأحد السابع من زمن العنصرة

الخوري نسيم قسطون:

في مواجهة تحديات الكنيسة اليوم، يجد المسيحيون أنفسهم أمام حقل واسع من الفرص والمهام، ويظهر هذا التحدي منذ نشأة الكنيسة كما أشار إليه الربّ يسوع في إنجيل اليوم (لوقا 10: 1-7) بقوله: “إِنَّ الـحِصَادَ كَثِير، أَمَّا الفَعَلةُ فَقَلِيلُون”.

مع ذلك، نجد أنفسنا في موقف نحتاج فيه إلى تأمل عميق في أدوارنا كأفراد في الكنيسة وأهمية مساهمتنا في العمل الروحي والدعوة المسيحية.

كثير من الناس لم يروا بعد الصورة الحقيقية للمسيح والمسيحيين فمنهم من هو مسيحي ومنهم من يتبع أديانًا أخرى أو ليس للتديّن دور في حياتهم.

الحصاد كثير والفعلة قليلون، وحتى أولئك القليلون قد يكونون في بعض الأحيان غافلين عن دورهم. منهم من يشغله الهموم والضغوط، وينسى قول الربّ: “لا تَحْمِلُوا كِيسًا، وَلا زَادًا، وَلا حِذَاءً”، حيث إن ضمانة المرسل الأولى هي إيمانه بحسن تدبير مرسِله وبعنايته له وبمحبته.

من المسيحييّن من يحبطهم سوء فهم الناس أحيانًا، مما ينسيهم أكبر درس تركه الربّ يسوع للبشريّة عندما مات وعاد وقام من الموت قام ليعلّمنا أنّ الرجاء يثمر أكثر في وقت الصعاب. وهناك من يكتفى بالوزنة الواحدة، وينسى أو يتناسى أن الربّ أنّب من لم يستثمر وزنته. لذا، من أراد أن يتبع المسيح عليه أن يذكر أقواله ووعوده، فهو لم ينبئ بطريق بشارة سهل، بل أكد الوصول إلى حيث هو موجود وحاضر.

هنا يأتي الدور الحيوي لكلّ مسيحي، وليس فقط الكهنة أو المكرّسين. فالكنيسة دعت دومًا إلى وعي أهمية دور العلمانيين فيها، حيث يجب على كل فرد أن يسهم في الحصاد الروحي. كثيرًا ما نرى الكاهن كأوّل الحاضرين وآخرهم في آنٍ، ممّا يدل على نقص المساعدة من المؤمنين الآخرين.

إنجيل اليوم يدعونا جميعًا للمشاركة في أعمال “الزرع والسقي والتشحيل والحصاد” الرّوحيّة، كما قال الربّ: “لا تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ في الطَّرِيق”، قاصدًا بذلك التركيز على الرسالة واستغلال الوقت في الزرع الروحي.

التزام المسيحي يجب أن يكون تجاه الآخرين، بدءًا من عائلته ومجتمعه وصولاً إلى الكنيسة والوطن. يجب أن نتساءل: ماذا فعلنا بحقولنا وكرومنا، أي بيوتنا وعائلاتنا ورعايانا؟ هل نحن مشغولون بجمع المال وشراء الممتلكات فقط؟

هذه الأمور جيدة، لكن الأهم هو ما نفعله بالنفوس التي هي وزناتنا وأمانة في عنقنا. هل وفرنا لأولادنا تعليمًا روحيًا يدوم مثلما وفرنا لهم تعليمًا دنيويًا؟

المسيحيّ يعلّم أولاده أن الصلاة هي فعل محبة وليست مجرد فرض يؤدونه صغارًا ويهملونه كبارًا. أن يركع لله يعني ألا يركع لسواه لأي سبب كان، سواء كان منصبًا أو وظيفة. هذا التعليم يجب أن يكون جزءًا من تربيتنا الروحية.

من الضروري أن يقرأ المؤمن كلمة الله ويتأمل فيها، ليرتشف منها قيمًا لحياته الروحية والزمنية، ومن ثم يترجمها في سلوكه اليومي ومبادراته الخيّرة. الفاعل في زرع الربّ يجب أن ينمي ذاته أولاً كي ينمو من خلاله زرع الربّ في الدنيا، بدءًا من نفسه فعائلته فمجتمعه. المسيحي مدعو إلى التعاون والعمل في مسيرة الحصاد الكنسي، وهو شريك حكمًا في هذا العمل، حيث أن حمل اسم يسوع ليس حقًّا حصريًا لأي مجموعة معينة.

في مواجهة الصعوبات، يتوجب على المؤمن أن يتكل على الربّ وحده، كما قال يسوع: “لا تَحْمِلُوا كِيسًا، وَلا زَادًا، وَلا حِذَاءً”. يجب ألا يكون اعتمادنا على المال أو الممتلكات أو حتى على معرفتنا الشخصية، بل على علاقتنا الوثيقة بالله. هذا الاعتماد يجعلنا قادرين على التغلب على الخوف والقلق والإرهاق واليأس. الربّ يدعونا لنكون واثقين من محبتنا له ومن أنه يثق فينا كشركاء في مهمة جذب الأمم إلى الملكوت.

عبر الأزمان، عانى المسيحيون والكنيسة من الصعوبات والضيقات، لكن الإيمان بالربّ والتوكل عليه كان دائمًا هو الحلّ. يذكّرنا إنجيل اليوم بالصعوبات التي واجهتها الكنيسة عبر العصور، لكنه أيضًا يقدّم خريطة طريق واضحة صوب الملكوت، موضحًا أهمية التركيز على الرسالة الروحية والتغلب على التحديات بالإيمان.

وفي النهاية، السؤال الذي يجب أن يطرحه كل مؤمن على نفسه هو: “هل أنا مستعد للمساهمة في حصاد الملكوت؟”

هذا السؤال يجب أن يكون الدافع لكل مؤمن للعمل بجد وإخلاص في خدمة الربّ والمساهمة في نشر رسالته، متذكرًا أن الحصاد كثير والفعلة قليلون، وأنه يجب علينا جميعًا أن نكون من هؤلاء الفعلة الذين يسعون بجد في حقل الربّ.

 

اترك تعليقاً