الأحد السادس بعد عيد الصليب

الخوري نسيم قسطون:

كلّ واحدٍ منّا وُهِبَ مواهب وقدرات فريدة، وكلّ منا مدعو لتنميتها واستثمارها في الحياة اليومية.

لا يتمتّع الجميع بنفس المواهب أو القدرات، ولكنّ لأن الله يعرف تمامًا ما يستطيع كل واحد تحمُّله وما يمكنه القيام به. بعضنا يحصل على مواهب عظيمة وآخرون قد تكون مواهبهم أقل، لكن في النهاية، المطلوب هو التفاعل والتجاوب مع ما نملكه وليس مقدار ما نملك.

الحياة تتطلب منا أن نكون أمناء على تلك المواهب.

مثل العبدين اللذين ضاعفا وزناتهما في إنجيل اليوم (متى 25: 14-30)، نحن مدعوون لاستغلال ما أُعطينا لتنمية قدراتنا وإضافة مواهب جديدة إلى ما نملكه بالفعل.

من الصحيح أنّ الإنسان يولد بمواهب محدّدة، لكنه يستطيع تطويرها وتحسينها من خلال الممارسة والإصرار. الشخص الذي يملك موهبة فنية، مثلاً، يستطيع أن يطوّر نفسه أكثر من خلال التعلم والعمل المستمر. لكن بالمقابل، هناك أشخاص مثل العبد الثالث، يختارون عدم استثمار ما لديهم. هؤلاء يغرقون في الحياة الروتينية، ويتجاهلون الإمكانيات المتاحة أمامهم.

العبد الأخير في النصّ الذي تكاسل عن استثمار موهبته يعكس حالة الكثيرين منا. فنحن نميل أحيانًا إلى الانغماس في روتين يومي ممل لا يتيح لنا التقدم أو التطور. نعيش حياة استهلاكية فارغة من الإبداع، حياتنا تقتصر على العمل، الأكل، النوم، دون أن يكون لنا دور حقيقي في المجتمع أو تأثير في محيطنا. حياتنا تصبح بلا طعم، نكرر نفس الأفعال ونعيد نفس القرارات دون تفكير في كيفية الاستفادة من الوقت والمواهب التي وهبنا الله إياها.

في هذا الأحد، يدعونا الإنجيل إلى إعادة النظر في حياتنا، لنقوم بتقييم شامل للمواهب التي منحنا إياها الرب، ونسأل أنفسنا: هل نعمل على تنميتها؟ هل نستخدمها في خدمة الآخرين؟ أم أننا ندفنها ونتركها بلا جدوى مثل العبد الثالث؟

نحن أحيانًا نسمح للأفكار السلبية والأحكام المسبقة أن تقودنا. نبرر عدم نشاطنا أو عدم استثمارنا لمواهبنا بأن الظروف غير ملائمة، أو أن الآخرين لا يقدروننا، أو أن العالم مليء بالظلم. لكن في النهاية، تلك الأعذار لا تعفي أحدًا من مسؤولية تنمية ما أُعطِي له.

الربّ يعطينا الوقت، وهو هدية ثمينة، ويعطينا القدرة على جعله ذا قيمة ومعنى. كل لحظة في حياتنا هي فرصة لإظهار ما نملكه من مواهب وقدرات، لنُضفي على العالم شيئًا من الجمال والمعنى. نحن نختار إما أن نقبل هذه الهبة ونعمل على استثمارها، أو نرفضها ونتركها تتبخر دون فائدة. الخيار بين أيدينا.

هناك مسؤولية جماعية أيضًا. ليس فقط أن نطوّر أنفسنا بشكل فردي، بل أن نشارك في المجتمع من خلال المواهب التي نملكها. هناك كثيرون منا لديهم القدرة على المساهمة في تحسين حياة الآخرين، سواء من خلال التطوع أو العمل الاجتماعي أو ببساطة من خلال إظهار الاهتمام بمن حولهم. ومع ذلك، كثيرون يختارون البقاء على الهامش، يكتفون بمراقبة الأزمات أو المشكلات دون أن يتدخلوا للمساعدة. هذه ليست مجرد مسألة تكاسل، بل أحيانًا تكون مسألة أنانية، حيث نفضل الانعزال والاهتمام بأنفسنا فقط.

عدم تساوي الوزنات في النص الإنجيلي يبرز أن الله لا يحملنا فوق طاقتنا. هو يعرف قدراتنا وحدودها، ويمنح كل واحد منا مسؤوليات تتناسب مع ما يستطيع القيام به. المهم هو كيف نتفاعل مع ما نملكه، وكيف نحاول أن نكون مثمرين في حياتنا.

 

نحن في النهاية لن نُقاس بما نملكه من مواهب فقط، بل بما فعلناه بها. هل كنا مثل العبدين الأوّلين الذين عملا بكل جهد لتطوير ما لديهم، أم مثل العبد الثالث الذي دفن موهبته ولم يفعل شيئًا بها؟ في نهاية حياتنا، سيكون السؤال: هل تركنا بصمة؟ هل أثرنا فيمن حولنا؟ أم أننا مررنا مرور الكرام بلا أثر يُذكر؟

السؤال الأهم الذي يُطرح علينا جميعًا اليوم هو: هل نريد أن نكون مجرد أرقام في الحياة، أم شخصيات تركت أثرًا وعاشت حياتها بملء معناها؟

اترك تعليقاً