الخوري نسيم قسطون:
في الحياة الروحية لكل مؤمن، تمثّل الصلاة وسيلة أساسية للتواصل مع الله وللتعبير عن الإيمان، وهي تأتي في أشكال ومظاهر مختلفة، بعضها قد يبدو مظهرًا لتقوى مزيفة بينما الآخر يعكس تواضعًا عميقًا وصدقًا روحيًا.
في هذا الأحد، يُظهر لنا الإنجيل (لوقا 18: 9-14) الفريسيّ والعشار كنموذجين مختلفين تمامًا للصلاة.
الفرّيسي هو رجلٌ يحرص على أداء الواجبات الدينية بدقّة، لكنه في صلاته يسقط في فخّ الكبرياء إذ يقارن نفسه بالآخرين، وينظر إلى نفسه كصاحب إنجازات يستحقّ الثناء من الله.
الصلاة بالنسبة للفريسي مجرّد قائمة من “الإنجازات” التي يريد أن يستعرضها أمام الله، وكأنه يطلب الثناء على هذه الأفعال. لكن هذه الصلاة كانت فارغة من التواضع أو الروح الحقيقية للتوبة وتعبّر عن موقف أناني، يركّز على الذات وعلى ما يفعله هو، بدلاً من البحث عن علاقة حقيقية مع الله تقوم على الحب والتواضع.
في المقابل، نجد العشار الذي يعرف بعمق عيوبه وخطاياه، ويأتي إلى الله بروح منكسرة، طالبًا الرحمة والغفران معترفًا بضعفه وحاجته إلى رحمة الله.
هذا النوع من الصلاة هو ما يعزز العلاقة الحقيقية مع الله، حيث يكون التركيز على الذات محصورًا في الاعتراف بالضعف والخطيئة، وليس في التفاخر بالإنجازات.
الصلاة التي تنبع من التواضع تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة الله المحبة والرحيمة. العشار لم يحاول تبرير نفسه أو مقارنة ذاته بالآخرين؛ بل أدرك عيوبه وطلب الصفح. وهذا التواضع هو ما يجعل الصلاة فعالة ومثمرة. إنها دعوة للعودة إلى الله بكل ما نحن عليه، بعيوبنا وخطايانا، طالبين رحمته.
التوبة ليست مجرد اعتراف بالخطيئة، بل هي أيضًا رغبة في التغيير. العشار في قصته لم يكتفِ بالاعتراف بخطاياه، بل أبدى استعدادًا لتغيير حياته والعيش وفقًا لمشيئة الله. هذا هو الجوهر الحقيقي للصلاة الفعالة: أن تكون وسيلة لتغيير الذات، والتقرب من الله بروح متجددة. هذا هو جوهر العلاقة الحقيقية مع الله حيث لا تكون الصلاة مجرّد أداء واجب، بل وسيلة لتحويل القلب وتغيير الحياة.
يجب أن نتعلّم من العشار، الذي أدرك أنه لا يمكن أن ينال رضا الله إلا من خلال التواضع والتوبة الصادقة. يجب أن تكون صلواتنا تعبيرًا عن رغبة حقيقية في الاقتراب من الله، وفي السعي لتغيير حياتنا لتكون متوافقة مع إرادته.
Share via: