الأحد السادس للفصح

الخوري نسيم قسطون:

أحياناً، تقسو الدنيا علينا فيملأ الهمّ قلبنا وتخالج قلبنا أفكارٌ شتّى ممزوجة بالخوف والقلق…

كلّ هذا من طبيعتنا كبشر… ولكن، كمؤمنين، لا يمكننا أن نتناسى حضور الربّ رغم الغيوم التي تعيق رؤية الله وتعطّل روح الرّجاء فينا…

اليوم، في الإنجيل (لوقا 24: 36-48)، يتوجّه الربّ يسوع إلينا بالقول: “مَا بَالُكُم مُضْطَرِبِين؟ وَلِمَاذَا تُخَالِجُ هـذِهِ الأَفْكَارُ قُلُوبَكُم؟”.

إنّ قيامة الربّ يسوع شكّلت حدثًا أكبر من أن يستوعبه بسهولة الرّسل والتلاميذ والجماعة المسيحيّة الأولى.

بعد القيامة، وفي كلّ ظهوراته، نجد الربّ يجيب على تساؤلات الجماعة ويعالج تردّدها بحضوره وبكلامه.

أظهر يسوع اليوم بأنّه ليس شبحًا أو روحًا محضًا، بل أكّد بأنّه جسد له لحم وعظام حين سأل: “هَلْ عِنْدَكُم هُنَا طَعَام؟”. فقدّموا له قِطْعَةً مِنْ السَمَك المَشْوِيّ، وَمن شهد العَسَل فأكلها بمرأى منهم.

نجده اليوم يعالج خوف الرّسل بمنطق المعلّم الصالح والطويل الأنات إذ يبيّن لهم ملء إنسانيّته (حين أكل أمامهم) وملء لاهوته (حين ذكّرهم بمجرى أحداث الخلاص) ويدعوهم إلى الشّهادة لحدث القيامة!

تترسّخ اليوم أمام الرّسل صورة الربّ الّذي غلب الموت بالموت والقيامة وتتجذّر أيضًا صورة المعلّم الّذي يقود خطى رسله نحو فهمٍ أعمق لسرّ قيامته وتحوّله من حالته الإنسانيّة بالنسبة إليهم إلى حالته الإلهيّة – الإنسانيّة حيث يتجلّى مجد القيامة بالجسد الّتي ينتظرها كلّ واحدٍ منّا وفق منطق إيماننا بهذا الخلاص الّذي قدّمه لنا الربّ مجانًا وبمحبّة مطلقة!

إنجيل اليوم يدعونا إلى وعي حضور الربّ الدّائم في وسطنا بالجسد والدمّ وبالكلمة وبكلّ من ينفتح على أنوار الرّوح القدس الّذي يجعلنا نعي ونشعر أكثر بعناية الله وسط كلّ العواصف فحدّة الرّيح وارتفاع الموج يعيقان أحياناً رؤية الشّمس، ولكنّهما لا يلغيان حضورها!

وكذلك في حياتنا، تحجب الصّعاب أحيانًا وجه الله عن بصائرنا، ولكنّها لا تستطيع أن تلغي حضوره لا سيّما لمن يعي بأنّ يد الربّ تترك لنا الحريّة المستندة إلى عقلانيّتنا الإنسانيّة ونضوجنا الرّوحيّ وعندها سنكون قادرين على اليقين بمحبّة الله مهما قست علينا الدنيا والظروف!

إنجيل اليوم يدعونا إلى العودة إلى كلمة الله كلّما عصف بنا الزمن فهناك سنجد الإجابات التي تؤكّد لنا، أن بعد كلّ عاصفةٍ سلاماً خاصّةً أن الله معنا في كلّ الأحوال، خاصّةً حين نمدّ يدينا إليه!

اترك تعليقاً