بقلم الخوري نسيم قسطون –
أي مسيحيّ عن أسماء الرّسل الاثني عشر، ستحتلّ على الأرجح أسماء بطرس وتوما ويهوذا الإسخريوطي الصدارة على حساب باقي الأسماء!
نعلم بأنّ بطرس أنكر يسوع ثلاث مرّات فيما توما شكّ به بينما يهوذا الإسخريوطي خانه.
هذا يعني بأنّ الأسماء الأشهر هي أسماء من أخطأوا… أمّا باقي الرّسل فنجهل ربّما أسماءهم لأنّها لم ترتبط ربّما بأخطاء ممّا يؤشّر إلى السلبية التي تسود فكرنا وعقلنا على حساب بطولات قام بها ويقوم بها كثيرون ونتناساها لدى ارتكابهم أوّل خطأ فيختفي كل تاريخ الإنسان وكل الخير الّذي قام به!
لذلك تعالوا نتعرّف إليهم ونتعلّم من تجربة كلّ واحدٍ منهم:
بطرس: أَوَّلُ مَن شَهِدَ بأَنَّ يَسوع هُوَ المسيح، إبنُ الله الحَيّ. رُغْمَ ذَلِكَ أَنكَرَ يَسوع قَبلَ صِياحِ الدّيك، وَشَكَّ بيَسوع رَغْمَ أَنَّهُ سارَ على الماء. لَكِنَّهُ تَجاوَزَ ضَعفَهُ وأَضحى عَن جدارَة رأسَ الكَنيسَة وقَدَّمَ حياتَهُ للشهادَةِ مِن أَجْلِ الرَبّ. نَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَلّا نَيأَس مِن رَحْمَةِ الله إِن أخطأنا، بَل نستطيعُ أَن نتوبَ شرطَ الإتِكالِ على الرَبّ قَبْلَ قُوانا الذاتِيَّة.
أندراوُس: أَولُ تلميذٍ تَبِعَ يَسوع وأوّلُ مَن بَشَّرَ بِهِ، إِذ دعا أخاهُ بُطرُس لِيقابِلَ الرَبّ. نَتَعَلَّمُ مِنهُ أنَّ الّذي يَسيرُ خَلْفَ يَسوع لا يَنبَغي أَن يَكتَفي بِإِيجاد الحَقيقة بَلْ يَجدُرُ بِهِ أن يَشُعَّ بِها (أي يعمل بها ليُظهرها للآخرين) ويَشُعّها (أي يُخبِر/يُعلِم الآخرين عنها).
يوحنا ويَعقوب إبنا زبَدى: إهتمّا أَوَّلَ الأَمر بالمقاعِدِ الأولى في المَلَكوت، لَكِنَّهُما أَثبَتا لاحِقًا مدى فَهمِهِما لِحَقيقةِ يَسوع: إستشهَدَ يَعقوب مِن أَجلِ الرَبّ وَشَهِدَ يوحنا لَهُ في إنجيلٍ يَحوي أكثَرَ النُصوصِ تَعبيرًا عَن لاهوتِ يَسوعَ. نَتَعَلَّمُ مِنهُما أن حياتنا تَزيدُ قيمَتُها حينَ نُقَدِّمُها للربّ وأن نَجْعَلَ مِن حياتِنا وكلامِنا إنجيلاً يُحَدِّثُ عن دَورِ الرَبِّ في حَياتِنا.
فيليبُّس: أوَّلُ مَن أَدْرَكَ أَنَّ يَسوع هُوَ مُتَمِّمُ نبؤات العَهدِ القَديم، لكِن لم يمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنَ التواصُلِ مَعَ اليونانيين الّذينَ أتوا إليهِ لِيُرشِدَهُم إلى يَسوع، ظانّينَ أَنَّهُ كانَ يونانيًّا (إسمه يوناني). نَتَعَلّمُ مِنْهُ الأَمانَة للماضي وللإيمان دونَ أن يَقِفَ ذلِكَ حاجِزًا بيننا وبينَ الآخَر.
برتلماوس: كانَ كَثيرَ الأَسئِلَة راغبًا في الفَهْمِ المُعَمَّق لِشَخصِيَّةِ يَسوع. نَتَعَلَّمُ مِنْهُ ألّا نَكون سَطحيينَ في إيمانِنا.
توما: قال لَهُ يَسوع : “أنا هو الطريق والحق والحياة” وَهُوَ قال ليسوع: “ربي وإلهي”. نَتَعَلَّمُ مِنهُ أَنَّ الإيمانَ بِيَسوع غَيرُ مَشروطٍ بالمظاهِرِ الخارِجِيَّة، بَل هُوَ أَوَّلاً ثَمرةُ التَأمُّلِ الداخِلِي بِمَحَبَّةِ اللهِ للإِنسان.
متّى العشّار: تَرَكَ كُلَّ شَيء حينَ نَظَرَ إلَيه يِسوع وَتَبِعَهُ غَيرَ عابِىءٍ بِشَيء. نَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَن نَفتَحَ قُلوبَنا لِنَظَراتِ الرَب لنَستَطيعَ أن نَشهَد لَهُ على مِثالِ متى الّذي شَهِدَ لَهُ في إِنجيلِهِ وفي حياتِهِ.
يَعقوب بن حَلفى: كان يَفهَمُ أكثَر عِندما يُحِبُّ أكثَر. نَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَنَّ المَحَبَّة تُفهِمُنا الكَثيرَ مِن الأُمورِ التي يَعجَزُ عَقلُنا عَن إستيعابِها، أَو حتّى يَرفُضُها، وَهذا ما يُطلَقُ عَلَيهِ إسمُ “عَيْنِ الإيمان”.
تدّاوس: كانَ يُطالِبُ يَسوع بأَن يُظهِرَ قُوَّتَهُ وَقُدرَتَهُ كما يَفعَلُ الكَثيرونَ في أيّامِنا مِنَ الَّذينَ لا يَرَونَ تَدَخُّلَ الله إِلّا في العجائِبِ وأَخبارِ الظُهورات. بينما يسوع عَلَّمَهُ ويُعَلِّمُنا أَنَّ أَقوى وَأَوضَح َظُهورٍ لَهُ يَكمُنُ في حُضورِهِ الدائِمِ في الإفخارستيا وفي جماعَةِ المُؤمنين التي تَنبَعُ مِنها.
سِمعان الغيور: أَوّلُ الأَمر، رَأى في يَسوعَ مُخَلِّصًا سياسيًا. لَكِنَّهُ إكتَشَفَ مَعَ الوَقْتِ أَنَّ الخَلاصَ العَسكَريّ والسياسي يَتَحَوَّلُ إلى نَقْمَةٍ إِن لَم يَستَنِد إلى تَغييرٍ داخِلِيٍّ يُدرِكُ مَعَهُ كُلُّ إنسانٍ نقاطَ ضَعفِه قَبلَ إنتِقادِ أخطاءِ غَيْرِه.
يَهوذا الاسخَريوطي: يَعتَبِرُهُ الناسُ دائمًا نموذَجًا للخيانَةِ، كَونُهُ باعَ يسوع بثلاثينَ مِنَ الفِضَّة. ولَكِن، كَم واحِدٍ مِنّا يبيعُ يَسوع يوميًّا بثَمَنٍ أَقَلّ مِن هذا، في كُلِّ مَرَّةٍ يَخضَعونَ لِلخَطيئَةِ.
إنّ التعمّق في مسيرة هؤلاء الرّجال تجعلنا نلاحظ التالي:
- في بداية علاقتهم بالربّ يسوع، لم يكن هؤلاء الرّجال مُميّزين عنّا بشيء ولكنّهم إغتنوا بيسوع حتّى إستطاعوا أن يُصبحوا مثالًا بإيمانهم وشجاعتهم أو بما يمكن أن نتعلّم من تجربتهم كما هو الأمر بالنسبة ليهوذا الإسخريوطيّ.
- لم يختر الربّ رسله وفقاً لمواصفات إنتقاء الموظّفين في الشّركات الحديثة أو وفقاً لمعايير اختيار النخبة في المؤسّسات الكبرى بل اختار بشراً اختبروا الحبّ والدّهشة والخوف والإحباط والجبن والألم لأنّه أراد كنيسةً تفهم الأضعف وتواجه الأقوى بخبرتها الإنسانيّة وبتضامنها مع الإنسان، مهما كانت ظروفه! وهو ما نرى فيه حكماً نموذجاً عن الكنيسة التي يتعدّد في داخلها ويتنوّع النّاس، أجناساً وأعماراً وثقافاتٍ وجنسيات…
- لم يولد هؤلاء الرّجال قدّيسين بل أضحوا هكذا رغم ضعفهم ومحدوديّتهم وخطيئتهم فحتّى بطرس أنكر الربّ ثلاثاً! وهو ما يؤكّد لنا بأنّه بمقدور كلّ واحدٍ منّا أن يكون رسولاً ليسوع مهما كان ماضيه أو مهما كانت ظروفه السابقة. فالربّ لا ينظر إلى ماضينا بقدر ما يراهن على مستقبل علاقتنا معه وعلى وعينا بأنّ توبتنا تعطينا دفعاً من محبّته لنمحو ببرّنا “الجديد” خطايانا “السابقة”…
لَم يَبْقَ الإثنا عَشَر على عَدَدِهِم بَل أَصبَحوا كنيسَةً، وبَدَلَ يَهوذا آمَنَ الكثيرونَ.
تعالوا اليوم نُصَلّي لِيَحفَظنا الرَبُّ جماعَةَ مؤمِنينَ نحِبُّ بَعضنا بَعضاً رُغمَ أخطائنا ونِقاطِ ضَعفِنا.
Share via:
