بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى، المؤلفة الموسيقية هبة القواس، أحيت الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية أمسية موسيقية راقية في الكنيسة الأرمنية الإنجيلية الأولى في بيروت، بقيادة القائد الرئيسي والمقيم لدى الأوركسترا، المايسترو كريم سعيد، وبمشاركة عازف الكلارينيت الفلسطيني إبراهيم الشيخ.
ليلةٌ تكلّلت فيها بيروت بنور الفن الرفيع، وشهدت تزاوجًا بين الروح اللبنانية والأنغام العالمية في لوحة موسيقية جسّدت عمق العلاقة بين الموسيقى والروح الإنسانية.
في مستهل الأمسية، رحّبت القواس بالحضور، مشيدة بتميّز المايسترو سعيد والعازف الضيف، وبالريبيرتوار الفريد الذي سيُقدَّم، لافتة إلى أن “كريم سعيد لا يقود فقط الأوركسترا، بل هو القائد الرئيسي للأوركسترا الوطنية للشباب – لبنان”، مشيرة إلى حفلٍ تاريخي مرتقب للأوركسترا مخصص لأعمال بيتهوفن، “سيكون له صدى يتجاوز لبنان إلى المستوى العالمي”.
وأضافت القواس أن تأسيس الأوركسترا الوطنية للشباب – لبنان يمثّل خطوة نوعية في مسار الكونسرفتوار، مشيدة بعطاء المايسترو سعيد الذي “يقدّم من قلبه وطاقاته لهذا البلد”، ليس فقط عبر العزف والقيادة بل من خلال تدريبه لطلاب البيانو ورفدهم بخبرة عالمية المستوى. كما حيّت القواس حضور المؤلف اللبناني إياد كنعان في البرنامج، مؤكدة أن “كل حفل سيضمّ عملاً لمؤلف لبناني”، ومثنية على “حساسيته العالية في الكتابة التي تنبع من القلب لا من التعقيد”.
أما المفاجأة، فكانت مشاركة عازف الكلارينيت الفلسطيني إبراهيم الشيخ، الذي وصفت القواس مسيرته بأنها “جسر من فلسطين إلى العالم”، وقد قدّم في الأمسية تحفة موزارت الخالدة كونشيرتو الكلارينيت (K.622).
تميزت الأمسية ببرنامج جريء ومتوازن، جمع بين النكهة اللبنانية الحديثة للمؤلف إياد كنعان، والصفاء الكلاسيكي لـ موزارت، والتعقيد الرومانسي لـ برامز، فوضعت الأوركسترا أمام تحدٍّ موسيقي متنوّع تطلّب مرونة وعمقًا في الأداء.
افتُتحت الليلة بعملَي كنعان “أمل” و”الرقصة اللبنانية رقم 5″، حيث أظهرت الأوركسترا قدرة عالية على التعبير عن نبض الموسيقى اللبنانية الحديثة، بين الدراما والبهجة الإيقاعية. ثم قدّم الشيخ أداءً باهرًا في كونشيرتو موزارت، امتاز بالشفافية والدقة التقنية، فيما حافظ المايسترو سعيد على توازنٍ دقيق بين الأوركسترا والصولو، مانحًا العازف فضاءً من النقاء الصوتي والتعبير الوجداني.
وفي ختام الأمسية، قدّمت الأوركسترا السمفونية الأولى ليوهانس برامز، العمل الذي يُعدّ من قمم الأدب الرومانسي، حيث قاد سعيد الأوركسترا ببراعة من التوتر الافتتاحي إلى الانفراج الختامي في دو الكبير، ليُتوَّج الحفل بانتصار موسيقي مهيب.
نال الأداء تصفيقًا حارًّا من الجمهور الذي ملأ القاعة، في أمسية أكّدت من جديد أن الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، بقيادة كريم سعيد ومشاركة موسيقيين عابرين للحدود، تواصل ترسيخ مكانة لبنان على خريطة الموسيقى العالمية، وتعيد لبيروت دورها كمنارة للفن الراقي والإنسانية المتناغمة.
