تُعَدّ البواحير أو ما يُعرف بـ الصليبيّات تقليدًا شعبيًّا قديمًا ارتبط بالتنبّؤ بحالة الطقس في المجتمعات القرويّة، حيث يقوم على مراقبة الأحوال الجويّة خلال فترة محدّدة من اثني عشر يومًا متتالية. ويُخصَّص كلّ يوم منها ليمثّل شهرًا من أشهر السنة، فيُعَدّ الطقس السائد في اليوم الأوّل دليلاً على طبيعة طقس شهر أيلول، واليوم الثاني مؤشّرًا لطقس تشرين الأوّل، وهكذا حتّى يكتمل العام.
يبدأ هذا التقليد في 14 أيلول عند الطوائف المسيحيّة التي تتبع التقويم الغربي، أي بالتزامن مع عيد الصليب المقدّس، وينتهي في 26 أيلول، بينما ينطلق عند الطوائف المسيحيّة التي تتبع التقويم الشرقي في 27 أيلول وينتهي في 9 تشرين الأوّل. وقد اكتسبت هذه الممارسة اسم “الصليبيّات” لارتباطها بعيد الصليب، فضلًا عن كونها فعل “تبحّر” في أحوال الطقس.
ورغم غياب الأساس العلمي لهذه الممارسة، إذ لا تؤكّد الدراسات المناخيّة وجود رابط سببي مباشر بين طقس أيلول وطقس الأشهر اللاحقة، فإنّها ظلّت تشكّل ذاكرة جماعيّة ووسيلة استقرائيّة للفلاّحين قديمًا. فقد اعتمدوا عليها لتخطيط مواسم الزرع والحصاد، وتجهيز الحطب والمؤن استعدادًا لفصل الشتاء، في زمن لم تكن فيه الأرصاد الجويّة أو التكنولوجيا متاحة.
اليوم، ومع تطوّر علوم المناخ ودقّة التنبّؤات الحديثة، ما زالت البواحير تحظى بمكانة وجدانيّة ورمزيّة لدى الكثيرين، فهي ليست مجرّد طريقة بدائيّة لمعرفة الطقس، بل جزء من التراث الشعبي الذي يتوارثه الأبناء عن الأجداد. ولعلّ الجدل القائم بين دقّة “صليبيّات الموارنة” و”صليبيّات الروم” يعكس حيويّة هذا التقليد واستمراره في وجدان الناس، سواء أُخِذ به على محمل الجدّ أو كنوع من المتعة الفولكلوريّة التي تربط الحاضر بالماضي.
