تخلَّى…
كلمة يظنّها البعض انكسارًا، ويحسبونها استسلامًا أمام الريح، لكنها في الحقيقة أجرأ فعلٍ قد يقوم به قلبٌ مُتعب.
التخلّي ليس أن تهرب، بل أن تقف في منتصف الطريق، تتأمّل ما تحمل، وتقرّر أن تُسقط عن كتفيك ما لم يُخلق لرحلتك.
تخلَّيتُ عن أحلامٍ كانت جميلة على الورق، لكنها ثقيلة على الروح، عن أماني كنت أزرعها في أرضٍ عقيمة وأرجو منها ثمرًا.
تخلَّيت عن وجوهٍ كانت تبتسم لظلالي لا لذاتي، وعن كلماتٍ مُزخرفة لم تقصد يومًا أن تصل إلى قلبي.
تخلَّيت عن الانتظار عند أبوابٍ صمّاء لم تُفتح، وعن مقاعد فارغة كنت أتركها محجوزة لأناسٍ لم يأتوا قط.
التخلّي فنٌّ صامت… هو أن تُدرك أنّ السلام أثمن من أيّ معركة لا معنى لها، وأن بعض الخسارات ليست إلا بداية للربح الحقيقي.
أن تعرف متى تُطوي الصفحة بلا ضجيج، ومتى تنزع يدك من يدٍ باردة لم تعد تشعر بوجودك.
لقد تخلّيت عن محاولاتي الدائمة لإرضاء الجميع، عن تلك العادة المُرهقة في تفسير نفسي وتبرير خطواتي.
تعلّمت أنّ من يريد أن يفهمك سيفعل بلا شرح، وأن من يريدك بقلبه لن يرهقه الطريق إليك.
وعندما تتخلّى… يبهرك ما يحدُث:
المسافات التي كانت ثقوبًا سوداء في أيامك، تتحوّل إلى فضاءات رحبة،
والفراغ الذي ظننته جرحًا، يصبح فسحةً للضوء والهواء.
يدااك اللتان كانتا مشغولتين بحمل ما لا ينفع، تصيران قادرتين على الإمساك بشيء أجمل، أنقى، وأصدق.
التخلّي ليس خسارة… بل هو تحرّر.
هو أن تعيد قلبك إلى مكانٍ آمن، وتعيد روحك إلى وزنها الطبيعي،
لتسير بخفّة نحو حياةٍ تختارها أنت، لا تُفرض عليك.