الثورة اللبنانيّة: إنجازات وتحديات (1)

بقلم أمين ألبرت الريحاني

أنتساءل مرّة أخرى، هل هو طائر الفنيق يُرَفرِف فوق ساحات لبنان، أم هي يد الله تشبك أناملها بأنامل اللبنانيين وتبارك وحدتهم الحقيقية؟ الثورة اللبنانية فاقت كلّ تصور، ورغم ما تواجهه من انتقادات وشكوك وتهجّم فهي مستمرّة بإصرار على البقاء حتى تُطوى صفحة قديمة وتُفتَح صفحة جديدة في تاريخ لبنان الحديث. هذه الثورة استطاعت أن توحِّد جميع اللبنانيين، فهي تنطق بلسان واحد، وتتحرك ببرنامج واحد، وتخطط بتنسيق واحد. أهل السلطة مصرون على أن تبقى آذانهم صماء، وأهل الثورة مصرون على أن يبقى حراكها فاعلًا بمخيِّلة غنيّة متدَفِّقة بلا هوادة

إنها “الحقيقة اللبنانية” التي وضَعَ فيها عمر فاخوري كتابه الشهير. إنها “قلب لبنان” النقيّ الصفيّ النابض من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن قلب العاصمة بيروت إلى قلب بعلبك الشامخة. إنه “الجبل المُلهَم” لشارل قرم، و”لبنان القائم بذاته” لشارل مالك، أنه الكتابات الملهمة لسماحة الإمام موسى الصدر، وجميعها تواجه المستقبل وتدعو إلى قيامة لبنان الجديد، لبنان السيّد، الحر، والعادل بين أبنائه أجمعين

إنّه الإنجاز الذي تحقّق في 17 تشرين الأوّل. فالثورة اللبنانيّة شكّلَت أمثولة للربيع العربي، وتخطّت الثورة الفرنسيّة بنزعتها السلميّة، وفاقت الثورة الأميركيّة برقيِّها، وحاكت الثورة البلشفيّة بأحقيّة مطالبها. ورغم كل المصاعب والعثرات، فالثورة اللبنانيّة، صلبة متماسكة. وهي أثبتت تَفَوَّقًا على ربيع براغ بإصرارها على الحياة وعلى التمسك بآخر نبض في آخر ساحة من ساحات المدن والقرى اللبنانيّة

مُعجزةُ هذه الثورة أنّها بلا رأس مُدَبِّر. وكأن خيطًا سحريًّا، كسلك الكهرباء، ما أن  تكبس زرَّه يدُ طرابلس، عروس الثورة، حتى يُضيء كلُّ لبنان، وما أن تشعل شرارته صور العظيمة حتى تشتعل النار المقدسة في مشاعل كل لبنان، وما أن ينادي صوت بعلبك حتى تردِّد صداه كلُّ أصوات المدن والقرى اللبنانيّة على امتداد موطن الأرز من أصغر مواطن حتى أكبر مواطن

اترك تعليقاً