بقلم أمين ألبرت الريحاني
إنجاز هذه الثورة أنّها انطلقت بلا سابق تصميم وتصوّر. هي هادرةٌ بعفويَّتها، مدويّةٌ ببساطتها، قاصفةٌ بسِلمِيَّتِها، راعدةٌ بصفائها، وعاصفةٌ بنقائها. سرُّها أنها واضحة في مطالبها، بل انها تمكّنَت بأن ترتفع بشعاراته المطلبيّة إلى عناوين بارزة لعقيدة سياسيّة طالما تعَطَّش لها لبنان. فأنت تسمع على لسان أي مواطن في الشارع، منذ 17 تشرين الأوّل، “أنني أشعر لأوّل مرّة بالمعنى الحقيقيّ للبنانيّتي”، أو على لسان أم من الأمهات، “أنا هنا في الشارع من أجل ولدي الذي يُسمعني كلّ يوم أنه “يكره” لبنان، وأنا هنا باقية حتى يصبح ولدي محبًّا للبنان”. إنها “العقيدة السياسيّة” بمعناها النظيف، بمعناها المعافى من كلّ أدران السياسة البشعة، المقيتة، الرخيصة
إنجاز هذه الثورة أنها ردّت إلى جميع اللبنانيين كرامتهم وعزّتهم وأملَهم المفقود. ردّت إليهم معنى المواطنة الصحيحة التي تستمد حقيقتها من فكرة العدالة والمساواة والحرية. وهنا تنتقل الثورة من الحراك المطلبي إلى الثورة السياسيّة الصحيحة التي تصلح لبناء لبنان المستقبل، لبنان الحديث، ولبنان الحداثة المواكبة للعصر ولمتطلباته
من تحديات الثورة أنها استمرّت من دون قائد لها ، ومن دون مجلس فيادي لها. وإن صحّ ذلك في السنوات الأولى للثورة فلا يصح لها ذلك على الدوام. صحيح أن الثورة تمكّنت من إسقاط أكثر من حكومة في أقلّ من سنة، وصحيح أن الثورة أسمعَت صوتها في مختلف أنحاء العالم لأنها أثبتت أنها صاحبة حق لابد من أخذه إذا شئنا أن نعيد بناء دولة الحرية والعدالة، وصحيح أنّ الثورة تمكنّت، وهذا هو الأهم، من توحيد ساحات لبنان، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن قلب بيروت إلى قلب البقاع. وهذه جميعًا من أبرز إنجازات الثورة في أقل من عام واحد على انطلاقتها. ولأنها كذلك، لأنها تمكّنَت من كلّ ذلك، لا بدّ الآن للثورة، في مطلع عامها الثاني أن توحّد قيادتها كما وحّدَت صفوفها. وسأحاول أن أتقدّم باقتراح عملي بسيط في مقالة قادمة، علّ هذا الاقتراح يساعد في سلوك السبيل القويم في إيجاد القيادة المطلوبة للثورة الفتيّة اللبنانيّة
Share via: