يشير الموسيقار اللبناني الراحل زكي ناصيف، في إحدى مقابلاته، إلى أنّ الدبكة اللبنانية لا تمتلك تاريخًا مكتوبًا أو مؤرخًا بدقة، بل يُرجّح أن تكون قد نشأت من عادةٍ عمليةٍ سائدة في القرى اللبنانية المعمّرة بالحجر، وهي عادة “رصّ الأسطحة الترابية”. ففي الماضي، كان يُنشأ سطح المنزل من طبقة ترابية ممزوجة بالحصى، تُمدّ فوق سقالة خشبية، تستند بدورها إلى أعمدة حجرية وخشبية. ولضمان تماسك السطح وتماهيه مع بنية البيت، كان الأهالي يقومون برصّه بالأقدام، قبل شيوع استخدام المحدلة الحجرية الحديثة.
من هذه العادة، يُعتقد أنّ الدبكة وُلدت، إذ كانت تتطلب جهدًا جماعيًا منظمًا، يُعبَّر عنه بالنداء الشائع آنذاك: “العونة، العونة”، وهو نداء للتعاون الجماعي. وتشير اللغة المستخدمة آنذاك، وهي السريانية، إلى أن لفظ “دِلعونة” مركّب من “دِ” التعريفية (المعادلة لأداة التعريف أو الإضافة في العربية) وكلمة “العونة” التي تدل على العون والمساعدة.
وانطلاقًا من هذا السياق، تحوّلت حركة رصّ الأسطحة إلى طقس جماعي له إيقاع ونظام محدّد، حيث تشابكت الأيدي والكتوف، وانطلقت الأرجل في نمطٍ إيقاعي منظم: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة… (بف!)… ستة تُضرب بالأرض، فتُرصّ التربة. واستُخدمت الأغاني مثل “دلعونة” لمرافقة هذه الحركة، إلا أن ناصيف يلفت إلى أن الكلمة في أصلها ليست “دلْعونة” (من الدلع) بل “دِلعونة”، لما تعبّر عنه من قوّة وتكاتف لا تتّفق مع معاني الدلال والنعومة.
وهكذا، نشأت الدبكة لا كرقصة فنية وحسب، بل كتعبير عن التعاون القروي، وعن وحدة الجماعة في مواجهة تحديات البناء والعمل، لتتحوّل لاحقًا إلى عنصر جوهري من التراث الثقافي والفني اللبناني.