يعتبر الديمان، الواقع في قضاء بشري شمال لبنان، موقعًا دينيًا وتاريخيًا بالغ الأهمية، إذ تحوّل منذ القرن التاسع عشر إلى المقرّ الصيفي للبطريركية المارونية، بعد أن كانت المقرّات البطريركية تتنقل بين المناطق الجبلية والنائية، بحسب الظروف السياسية والأمنية.
تاريخيًا، ارتبط الديمان بحيّ كفرصارون الذي دمّره المماليك عام 1283 أثناء حملتهم على منطقة الجبة. واسم “الديمان” في أصله يعني “الشبه والكمال”، يضم معالم طبيعية وتاريخية بارزة كـمغارة الجماجم ونبع الفراعة.
البطريرك يوسف حبيش (1823-1845) كان أوّل من أقام في الديمان، حيث شيّد مقرًا متواضعًا، وتبعه البطريرك يوحنا الحاج الذي أنشأ كرسيًا قديمًا وكنيسة مار يوحنا مارون. ثم بدأ البطريرك إلياس الحويك (1899-1931) ببناء الدير الحالي، قبل أن يقوم البطريرك أنطون عريضة (1932-1955)، ابن بلدة بشري، بتوسيعه وبناء كنيسته.
تميّزت كنيسة السيدة- الديمان بطرازها المعماري اللبناني العريق، وزُيّنت بجدرانيات ورسومات الفنان العالمي صليبا الدويهي، الذي استُدعي خصيصًا لتزيين الكنيسة، مستخدمًا وجوهًا قروية لبنانية في لوحاته بدلاً من النماذج الأوروبية الكلاسيكية.
وقد ساهم في تمويل بناء الكنيسة شقيق البطريرك رشيد عريضة، وتؤرّخ هذه المساهمة بكتابات حجرية على البلاط وعلى جدران الكنيسة.
لعب البطريرك أنطون عريضة دورًا محوريًا في تطوير المقر الصيفي وفي حياة الكنيسة المارونية، سواء من خلال تنظيم الهيكليات الإدارية أو عبر مساهمته السياسية، لا سيّما في رعاية الميثاق الوطني عام 1943، ومواقفه خلال فترات الجوع والانتداب.
اختتمت حياة البطريرك عريضة بدفنه في صرح الديمان، الذي ارتبط اسمه به، ودوّن على ضريحه في الكنيسة عبارة من المزمور 111: “بَدَّدَ وأعطى المساكين، فبرّه يدوم إلى الأبد”، مع وصيته بتوزيع أمواله على المشاريع الخيرية والكهنة المسنّين، لتبقى الديمان شاهدة على روح الخدمة والعطاء في أعلى مراتب الكنيسة المارونية.
