المثقفون وبناء لبنان الجديد (1)

بقلم أمين ألبرت الريحاني

سُئِلَ الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان: ممن تتأثر التأثير الأكبر، كرئيس للجمهورية، من مختلف الشرائح الاجتماعيّة؟ فأجاب: شريحة المثقفين

وسُئِل الرئيس إمانيال ماكرون: ما الذي تصبو إليه كهدف أكبر، بعد وصولك إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية؟ أجاب: “طموحي الأكبر أن أصبح كاتبًا

هذا النوع من الأجوبة يصدر من أعلى موقع في الدولة ليلقي الضوء على دور المثقفين في أوطانهم، خاصة إذا كان الوطن يعاني من  أزمات متراكمة او من “أمراض مزمنة” على غير صعيد، منها الفساد، والاقتصاد المتدهور، والسياسة غير الآبهة بالمواطن، أضف اليها الدولة الغائبة، والسيولة المفقودة، والجائحة “الفيروسية” القاتلة… كل ذلك في غياب رؤية مستقبلية لبناء وطن، ولنهضة اقتصادية واجتماعية ملحة. ما هو دور المثقف تجاه كل هذا الاهتراء وهذا الانحلال للدولة ومؤسساتها

يمكن ان ارى دور المثقف موزعاً على اكثر من جبهة، منها: الجبهة الاخلاقية، والجبهة السياسية، والجبهة الاقتصادية الاجتماعية، ومع هذه جميعاً الجبهة السلوكية

الجبهة الأخلاقية: وهي سبّاقة لكل الدساتير والقوانين، فالرادع الأخلاقي يبقى الأقوى والأفعل. وغياب هذا الرادع يعرّض صاحبه لكثير من التصرفات الخاطئة التي، إن تمادت، تصل إلى حد فقدان الثقة بصاحبها. أضف إلى ذلك أنّ الرادع الأخلاقي يصون صاحبه ويعزّز معنى تحمل المسؤولية في الشؤون الكبيرة والصغيرة على السواء. فالأخلاق سياج آمن للدولة وللمسؤولين فيها، وللمثقفين من حولهم، لأن قولهم هو القول الصحيح وتفكيرهم هو التفكير الصحيح، وفعلهم هو الفعل الصحيح

الجبهة السياسيّة: وهنا لا بد من التوقف عند مسألة الإحاطة الفكرية. المثقفون هم عقل المسؤولين، وهم “رئة” تفكيرهم، إذ لا بد للمسؤولين أن يسبروا، مع المثقفين، أغوار الأجوبة عن الطروحات السياسيّة المعاصرة التي تصل إلى حدود الخيارات الحديثة الممكنة بحيث تشكّل الحلول المقترحة، والحلول الممكنة للخيارات الصعبة التي تواجهها الدولة لقاء العنوانين الكبرى التي تحملنا على مواجهة الجدليات القادرة على التخطي والتجاوز. من الأمثلة على ذلك: كثر الحديث مؤخرًا حول مفردات رئيسة هي بمثابة المفاتيح لدولة المستقبل التي نبحث عنها: من هذه المفردات العناوين: العلمنة، الحياد، اللامركزية الموسّعة، استقلالية القضاء، الديمقراطية الفعليّة (لا التوافقيّة)… على أن نبدأ بمحاربة الفساد، أي بقطع أوصاله، أي بالإصلاح الفعلي  فورًا… وهذه جميعًا تتطلب أولًا ورشة فكريّة كبرى تقوم على النقاشات التفصيلية التي تُطلبُ من جميع المثقفين المسؤولين وغير المسؤولين

اترك تعليقاً