المطلوب دولة كأية دولة محترمة في بلاد الناس (1)

بقلم أمين ألبرت الريحاني

بقلب حزين وعين دامعة وغضبٍ “ساطع”، وبعد أيام على فاجعة تفجير بيروت وتدميرها، وجدتني مختليًا بنفسي أكتب ولا أدري ماذا أقول

لا، الزمن لا يمرّ مرور الكرام على مثل تلك الفاجعة وتلك الجريمة. أحاول الابتعاد عن كل انفعال وكل ميل وهوى لأتساءل: هل أصرخ مع الصارخين بوجه أهل السلطة؟ هل أُذَكِّرُهم بأن الناس ما عادوا يتحملون كلامهم على الشاشات الصغيرة، ضاربين عرض الحائط كرامات الناس وحقوقهم ومطالبهم وعدالتهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم

ما قيمة كل التفاصيل الشكلية حين تكون الدولة مستهترة، إلى هذه الدرجة، بحقوق الناس وكراماتهم؟ ما قيمةُ الشكليات حين تضرب الدولةُ عرض الحائط العدالة المنتظَرة وحماية المواطن من كلّ أذى لَحِقَ، أو قد يلحق، به؟ هذا الاستخفاف بالمواطنين يطرح العديد من الأسئلة الجوهرية في معنى الحكم ودوره ومنافعه وحقيقة وجوده

الدولة إمّا أن تكون في خدمة المواطن أو لا تكون، إمّا أن تسهم في عمليّة النمو الاجتماعي والاقتصادي والتربوي أو لا تكون. أي إمّا أن تكون دولة أو تصبح مغارة للصوص. وأهل الدولة، أهل السلطة، إمّا أن يتسابقوا على تعزيز الشأن العام، كما هو حاصل في البلدان المتقدّمة، أو يجدون أنفسهم في “تناتش” السلطة ومكاسبها، وفي “كباش”، واحدهم مع الآخر، لكسب الصفقات وتوزيع المغانم… لذا تجدهم في تَذاكٍ دائم، وفي مزايدات لا تنتهي، والنتيجة تراجع مؤسسات الدولة وتقهقرها

واللافت أنّ أهل السلطة، في مزايداتهم وتذاكيهم، يردّون الفساد إلى ثلاثين سنة خلَت ظنًّا منهم أنّهم بذلك يرفعون المسؤولية عن كاهلِهِم ليلقوها على الآخرين، والآخرين الأبعدين. في حين أنّ الفساد المستشري قد نشط بشكل مباشر ووقِح منذ عشر سنوات وبدأ الانهيار الاقتصادي منذ نحو خمس سنوات. فميزان المدفوعات حتى العام 2010 كان يحمل مؤشرات إيجابية، ونسبة الصادرات بالمقارنة مع الاسترادات كانت شبه متوازية ومتوازنة. ويجب أن نُذَكِّر بأننا في العام 1963، في عصرنا الذهبي، صُنِّفَ لبنان الرابع عالميًّا في النمو الاقتصادي بعد الولايات المتحدة الأميركيّة، وفرنسا، وسويسرا. إذًا ما الذي كنّا قادرين عليه منذ ستين سنة تقريبًا، ولم نعد قادرين عليه اليوم؟

  صحيح أننا مررنا بحروب إقليمية وحروب الآخرين على أرضنا ولكن كلّ ذلك لا ينفي قدرةً معيّنة كُنّا نتمتع بها جماعيًّا ووطنيًّا وافتقدناها اليوم. ما هو سحرُ ذلك العصر الذهبي الذي نجحنا في تنفيذه عهدذاك وأخفقنا في تنفيذه في هذا العهد؟ ومعنى أن تكون لنا دولة ناجحة بُعَيد منتصف القرن العشرين يعني أننا نعرف حقيقة الدولة الناجحة ولا عذر لنا التقهقر من النجاح إلى الفشل، بل كان من المتوقع أن نخطو خطوات حثيثة من نجاح معين إلى نجاح أكبر

اترك تعليقاً