المطلوب دولة كأيّة دولة محترمة في بلاد الناس (3)

بقلم أمين ألبرت الريحاني

الدولة في بلاد الناس، تحزم أمرها من البداية، فبعد تقديم الملفات المكشوفة والأهداف المكشوفة والأرقام المكشوفة، حول أية قضيّة من القضايا أو حول أي مشروع من المشاريع، تكون مستعدة للحسم في أمر قراراتها بلا تردد وبلا هوادة فالقرار يصدر بسرعة (من دون تسرّع)، والاستقالة عند الضرورة فورية، والفعل دائمًا يسبق القول. لذا فالفعل في المواقف الوطنية لا يعرف صيغة المستقبل (سنفعل وسنُنشِىء وسوف نُنَفِّذ) بل يباشر دائما بصيغة الماضي (فعلنا وأنشأنا ونفّذنا) والقول يأتي دائمًا بعد الفعل وليس العكس، لأن لا قيمة للقول الذي يسبق الفعل

ولو طبّقنا هذه السلوكيّات على قنبلة بيروت النووِيّة لطُرِحَت بإلحاح العديد من الأسئلة، ومنها

لماذا لم يستقل فورًا الوزراء المعنيون كوزير النقل والاشغال العامة، ووزيرة الدفاع، ووزيرة العدل… والاستقالة في حكومة بلاد الناس هي التصرّف الوحيد المسؤول والمتوقع والمحترَم

لماذا لم تُقدِم الحكومة على إقالة كل الوزراء والمدراء العامين المعنيين بهذه الجريمة النوويّة، الذين من المفترض أن يستقيلوا فورًا ولم يفعلوا؟ هذا ما يحدث في حكومات بلاد الناس. أمّأ الحكومات عندنا فمُصرّة على أن تكون حكومات من نوع آخر، لا يليق بنا تسميته ولا يليق بهم قبوله

ها قد مرّت الخمسة أيام لإنهاء التحقيق في جريمة بيروت النوويّة، ولم يصدر حتى الآن أي قرار اتهامي أو قرار ظني في الجريمة. أليس ذلك مثالًا على استخفاف أهل السُلْطة بأهل الرعيّة. ألا يُشكّل ذلك الاستخفاف دليلًا اتهاميًّا يدين أهل السُلْطة بالتقصير والعجز وعدم القيام بواجب تحقيق العدالة وحماية أهل الرعيّة؟ ألا يُشَكِّل ذلك سببًا إضافيًّا من أسباب فُقدان الثقة بأهل السُلْطة؟

ورد في تقرير بعض الخبراء الروس خلال التحقيقات الجارية في جريمة بيروت النوويّة، أن ما احترق أو تفجّر من مادة الأمونيوم نايتريت لا يتجاوز 300 طن لأن الكمية الكاملة، أي 2750 طن، لو كانت ما تزال موجودة وتفجّرَت، لَمَحَت بيروت عن بِكرة أبيها. السؤال الذي ما يزال غامضًا: أين ذهبت الكمية الباقية؟ أي أنّ نحو 2450 طن غير موجودة وغير متفجرة. أين هي إذًا؟  أين ما تبقى من هذه المادة؟ أليس من حق اللبنانيين أن يخافوا على أنفسهم وعلى أولادهم منها؟ أليس من حق اللبنانيين أن يعرفوا أين بقيّة تلك المادة الخطرة ومع مَن وما هو مصيرُها؟

ألا يُشَكِّلُ هذا الواقع المُذري والمؤلم، بل هذه الجريمة النوويّة النكراء، سببًا كافيًا لمطالبة  المواطنين برحيل أهل السُلْطة والافساح في المجال للانتقال إلى سُلْطة جديدة؟ علّها تعرِفُ كيف تستعيدُ الثقة من المواطنين لتصبح الدولة مستوفية شروط العمل في الشأن العام وشروط العمل الوطني كما هي الحال لدى كل حكومة من حكومات بلاد الناس؟

لبنان، بعد كلّ هذه المآسي، بحاجة مُلِحّة إلى دولة كأية دولة تحترم نفسها وتعرف ما لها وما  عليها، كأية دولة من الدوَل الموجودة في بلاد الناس. وما يطلبه اللبنانيون حقٌّ لهم وواجبٌ على الدولة الآتية في مطلع المئوية الثانية لدولة لبنان الكبير. 

اترك تعليقاً