بداية التعبد والصلاة

You are currently viewing بداية التعبد والصلاة
ابتسام بدر نصره-
قراءة في فكرة التعبد والصلاة قبل خمسة آلاف عام: كيف نشأت ولماذا، وما رمزية وضعية اليدين المتشابكتين كما تظهر في تماثيل الإناث والذكور المتعبدين التي اكتشفت في بلاد الشام وما بين النهرين وتعود إلى حوالي 2500 قبل الميلاد.
عند دراسة بدايات التحضر الإنساني ونشوء فكرة وجود قوة عليا يمكن الالتجاء إليها عند الحاجة، نجد أن الإنسان القديم، بفضل تطور تفكيره واعتماده الكبير على يديه كأهم أدواته، تمكن من تحقيق الكثير. فقد استخدم يديه لصنع الأدوات، فزرع وحصد وطوّر الزراعة، بنى المساكن، روّض المواشي، صنع القوارب وتنقل عبر الأنهار، بل وتغلب على الحيوانات المفترسة. لكن، ورغم كل تلك الإنجازات، وجد نفسه عاجزًا أمام قوى الطبيعة التي لم يستطع السيطرة عليها، مثل الفيضانات التي كانت تدمر محاصيله، والجفاف الذي أدى إلى المجاعات، والرعد والبرق وغيرها من الظواهر التي أرهبت تفكيره.
من هنا، بدأ الإنسان يتصور وجود قوة عليا سماها “إيل” (الله)، وآمن بأن هذه القوة تملك السيطرة على ما يعجز هو عن التحكم به. هذا الإيمان دفعه إلى محاولة التواصل مع هذه القوة وطلب مساعدتها بطريقة محددة، وهو ما يمكن اعتباره بداية التعبد. فبدأ الإنسان يقف في أماكن مخصصة (بيوت العبادة) ليصلي، معبرًا عن حاجته ومخاطبًا تلك القوة التي كان يراها قادرة على تحقيق ما يعجز عنه.
التماثيل المكتشفة من تلك الحقبة تظهر وضعيات تعبدية مميزة؛ اليدان متشابكتان وكأنهما تعبران عن العجز والاعتماد الكامل على تلك القوة العليا. هذه الوضعية ليست تعبيرًا عن الخوف، بل عن الاعتراف بالحاجة إلى المساعدة والعجز عن مواجهة الأمور بمفرده. إن تشابك اليدين بهذه الطريقة يرمز إلى تسليم الإرادة إلى قوة أكبر، تمامًا كما نقول في لهجتنا اليومية: “ما طالع بإيدي شيء أعمله”.
يظهر الفرق هنا بين الصلاة طلبًا للمساعدة وبين الصلاة خوفًا من العقاب. تماثيل المتعبدين القديمة التي تعود لآلاف السنين، تجسد حالة الإنسان القديم الذي يلجأ إلى الله القوي طلبًا للدعم، واضعًا نفسه تحت تصرفه وخاضعًا لإرادته.

اترك تعليقاً