تُعدّ قرية بيت لاهيا، الواقعة شمالي قطاع غزة، واحدة من القرى التاريخية ذات الأهمية الجغرافية والدينية، وقد ورد ذكرها في سجلات الأوقاف المملوكية كأرض وقف مخصصة لمساجد مدينتي غزة والقاهرة، ما يشير إلى ارتباطها المبكر بالمراكز الدينية والثقافية في العالم الإسلامي. كما شكّلت محطة رئيسة على الطريق الدولي المعروف بطريق البريد أو الطريق السلطاني، الذي كان يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا، وتحديدًا بين مدينتي دمشق والقاهرة.
خلال الفترة العثمانية، برزت بيت لاهيا كمركزٍ زراعي وتجاري نشِط، واشتهرت بزراعة التمر والعنب في أراضي “المواصي”، وهي أراضٍ زراعية مروية تقع بين الكثبان الرملية على مقربة من البحر الأبيض المتوسط. ومع مرور الزمن، تحولت هذه الأراضي إلى بيارات برتقال ضخمة امتدّت على طول الساحل الجنوبي بين يافا وخان يونس، ما جعلها جزءًا من المشهد الزراعي الحيوي لقضاء غزة.
تحيط بالقرية مقامات دينية وأثرية بارزة، منها مقام الشيخ نقية ورجال الأربعين والشيخ منام، ما يعكس عمقها الروحي والديني. وقد شهدت بيت لاهيا، إلى جانب قرى مجاورة مثل بيت حانون، جباليا، والنزلة، صمودًا لافتًا في وجه نكبة عام 1948، رغم محاذاتها لعدد من القرى الفلسطينية التي تعرّضت للتهجير، منها دمرة، هربيا، ودير سنيد.
تُظهر خريطة تعود إلى عام 1874 معالم هذه القرية الصامدة، موثّقةً حضورها في قلب فلسطين التاريخية، ومجسّدةً دورها كمفصل استراتيجي بين التاريخ، الأرض، والهوية.
