بيوتات بعلبك الثقافية توجت علي حليحل فارسا للأصالة

 تشاركت ثلاثة أعمدة من ركائز حفظ التراث والثقافة المتجذرة في لغة الضاد والفن البعلبكي الأصيل، عنيت بها مجلس بعلبك الثقافي” الذي يضم كوكبة من الأدباء والشعراء والكتاب والفنانين في شتى المجالات، وبيت الثقافة البعلبكي” الحريص على رقي وغنى ورونق العطاء، وفرقة هياكل بعلبك” بقيادة الفنان المتألق عمر حمّادة المتجذر في الفولكلور، والمبدع في خطواته ولوحاته التي تنم مشهدياتها عن ألمعية نهلت من معين الأجداد، ورغم أنها في بعض ملامحها وتطلعاتها ترنو نحو التجديد، لكنها لم تحد عن الأصول التي غاصت في شرايين الأجساد التي يطربها النغم، وتشدها خطوات الدبكة إلى التجذر في الأرض.

كل هذا التألق والإبداع تآخى مع حضور مميز للاحتفاء بفارس الأصالة والتراث” الفنان علي حليحل، المتعدد المواهب، الشاعر والملحن والمغني والفارس، والحالم برفع لواء العز والعزة والكرم والكرامة و النباهة والشهامة. رأسماله ثقافة نهلها من البوادي قبل الحواضر، ومن مصاحبة من بلغوا في العمر عتيّا، الذين قصدهم في عقر مضاربهم، ففتحوا له القلوب العامرة بالمحبة والمفعمة بحب العطاء، فكوّن مخزونا غنيا من كل باب ينفذ منه إلى معين التراث الذي لا ينضب، فحفظ على أيدي كبارهم العتابا والميجانا والمواويل والقصائد وكل بديعها وألوانها وأصنافها، وأضاف إليها من عندياته” ومن رصيد مخزونه المصفّى الكثير.

ولطالما تعلمنا بأن خطوات الدبكة سباعية: البداوية، الشمالية، العرجا، الكرادية المعروفة بالزينو، البعلبكية، الطيراوية والعسكرية، فإذا بنا نفاجأ بأن ذاك الفنان الحليحلي” أحصى وأتقن منها ما يقارب السبعين نوعا في بلاد الشام، وتعمق بأدق تفاصيلها وأجاد حفظ كل حكاياها وقصصها ونقلاتها ونغماتها التي تحرك الأجساد طربا والخطوات ذات اليمين واليسار وإلى أمام ونحو الخلف لتنتهي بخبطتها المعهودة التي تحاكي أديم الأرض، فتزهر فنا ولا أروع.

وخلال ترحاله استهوته الخيل، لا سيما العربية الأصيلة منها، فأبحر في خضم نسلها وأصلها وفصلها ومزاياها، فأضحى موسوعة معرفية في عالم الخيل والخيالة، وفارسا من الطراز الأول تنحني له هامات جيادها، وتحن إلى ملمسه وتستأنس بمصاحبته، وتطلق العنان لحوافرها التي تسابق الريح.

أطل أيقونة التراث اللبناني، لا بل العربي دون منازع، الفنان علي حليحل على جمهور بادله الحب بالحب، من على أدراج تصل ما بين عطر بخور القديسة بربارة في ساحة مطرانية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك، ومدخل السوق القديم حيث فتح مجلس بعلبك الثقافي” قلب داره للمحتفى به ولضيوفه من عشاق الفن الأصيل الذين تحلقوا في الباحة الخارجية، مصوبا بزفة فرقة هياكل بعلبك” التي شاركها عددا من لوحاتها، شابكا يده بيد قائدها عمر الذي ترك له أول الصف يعاضده بكتفه الأيمن.

اترك تعليقاً