أمام كل الممارسات التي تناولناها في الأجزاء الخمسة السابقة، من التاروت والحجاب الورقي، إلى جلسات الفكّ والربط، والتبصير في الفنجان، وتحضير الأرواح، والسحر الأبيض والأسود، وكل وسائل الخرافة والخداع، لا يمكن لأي مؤمن أن يختبر التحرر الحقيقي إلا بالتوبة الصادقة والرجوع الكامل إلى الله.
فالتحرر ليس مسألة التخلص من أدوات أو رموز، بل هو تحرير القلب والروح من أي سلطان يفرضه العالم المظلم خارج إرادة الله. كل من ينفتح على عالم الخرافات، العرافة، أو الشعوذة، يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع سلطان الله، ويعرض حرية روحه للخطر، لأنها ترتبط ارتباطًا جوهريًا بالثقة والاعتماد على الله وحده.
الخلاص لا يُشترى بورقة، ولا يُستدعى بالحجاب، الخرزة، أو قراءة الفنجان. الخلاص هو عطية الله التي تُستقبل بالرجوع الكامل إليه، عبر التوبة الصادقة، الاعتراف بالخطايا، والاتكال الكامل على رحمته التي لا تنضب.
الطريق إلى السلام الداخلي والشفاء الحقيقي يمر بقلب صادق أمام الله، يعترف بخطئه، ويضع ثقته الكاملة في رحمته. أي محاولة للاعتماد على طقوس أو رموز باطلة هي وهم يخدع النفس، ويبعدها عن النور، ويقوّض حياتها الروحية.
للتحرر الكامل، يحتاج المؤمن إلى :
أولًا: التخلّي عن الشعوذة
المسيحي مدعوّ لأن يقطع نهائيًا أي ممارسة مثل قراءة الحظّ، الكف، التبصير، التاروت، التنجيم، الحجاب الورقيّ، جلسات الفكّ والربط، تحضير الأرواح، السحر الأبيض أو الأسود، أو أي طقوس تظهر في شكل “بركة” أو “حماية”.
هذه الممارسات لا تمنح السلام ولا الشفاء، بل تزرع القلق والخوف، وتقود إلى انحراف روحي عميق. من كان يحتفظ بخرزة، أو بطاقة، أو تميمة، أو كتاب عرافة، أو رسمٍ أو تعويذة أو حجاب، عليه أن يتخلّى عنها بالكامل. لا مجال للمساومة بين الربّ وأشياء تُستَعمل كبدائل عن نعمته. وكما فعل الذين آمنوا في أفسس، حين جاءوا بكتب السحر وأحرقوها علنًا (أعمال الرسل 19: 19)، ما لم يُكسَر في الخارج، يبقى حيًّا في الداخل.
ثانيًا: التوبة في سر الاعتراف
التوبة ليست مجرّد شعوراً عابرًا بالندم، بل مسارٌ شجاع لإعادة ترتيب العلاقة مع الله على أساس الحقيقة. مَن اقترب من عالم السحر والعرافة، ولو بدافع التسلية، الفضول أو الخوف، دخل في دائرة مظلمةٍ تُشوّه صورة الله في قلبه وتُقيّد حريته.
في سر الاعتراف أمام الكاهن، يُفتح القلب، ويُكشف السرّ عن عبودية الشعوذة، وتُستقبل رحمة الله الحقيقية. هنا، لا وسائط بشرية أو سحريّة، بل لقاء حيّ مع المسيح الذي يحرّر ويمحو أثر كل عبودية روحية. كما يشير التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: “جميع أشكال العرافة يجب أن تُرفَض، حتى اللجوء إليها من باب الفضول” (§2116).
ثالثًا: ما يجب عمله مع اكتشاف بعض الشعوذات
عند العثور على حجاب، ورقة، أو أي أداة من عند “شيخ”، ملفوفة أو مكتوبة، لا مجال للهلع أو الفضول. يكفي رشّها أولاً بماء مبارك من الكنيسة، ثم إحراقها أو تقديمها للكاهن ليقوم بالإجراء المناسب.
الهدف ليس مجرد التخلص من المادة، بل إعادة الاعتراف بسيطرة الله وحده على حياة المؤمن، وأن أي قوة خارجة عن إرادته هي شرّيرة. فالعرافة ليست خطيئة فحسب، بل طريق القلق والخوف والتشويش والتبعيّة والتمرّد على تدبير الله. وهذه الجراح لا تُشفَى بسرعة، بل تحتاج إلى صلاة، إرشادٍ روحي، وطلب صلاة التحرير من الكنيسة.
رابعاً: صلاة التحرير
تقدّم الكنيسة نعمة “صلاة التحرير”، القائمة على السلطة الروحية التي نالها الكاهن من السيامة والخدمة. في هذه الصلاة، يُعلَن الربّ سيّدًا على الماضي والمستقبل، وتُرفَض العهود القديمة مع الشعوذة والعرافة، ويُعلَن اسم يسوع “الاسم الذي به يجب أن نخلص” (أعمال الرسل 4: 12).
يُرفَع الصليب على رأس المؤمن ليقطع كلّ ارتباط بالظلمة، ويُقال: “في المسيح، أنت حرّ، لأنّه جاء ليُطلق الأسرى أحرارًا” (راجع لوقا 4: 18). الخروج من عالم العرافة والشعوذة هو ميلادٌ روحيّ جديد وانتماءٌ متجدّد للربّ المسيح، فعل شجاعة، فعل إيمان، وحبّ بمرافقة الكنيسة وبقوّة الروح القدس.
رابعًا: الالتجاء إلى الأسرار والكنيسة
المسيحي الحقّ يعيش دوماً تحت رعاية الكنيسة وأسرارها. الاعتراف والقربان المقدس هما منابع الشفاء الحقيقي، لا السحر ولا الطقوس الغامضة.
العرافة والسحر تنمو في أرض الفراغ الروحي، بينما الإنسان الممتلئ من نعمة الله، المصلّي دومًا، المتغذّي من جسد المسيح، محمي من أي روح شرّ. الحريّة والتحرّر لا يُستعاد إلا بالولاء الكامل للربّ يسوع والمكوث في حضن الكنيسة، حيث يُعاش الحبّ البنوي والثقة في نعمه وبركاته.
ختامًا، يبقى السؤال الحاسم أمام كل مؤمن:
من هو الراعي الذي تقف أمامه بثقة؟
من هو الطبيب الذي تلجأ إليه؟
هل هو الرب يسوع، الذي أعطى نفسه فداءً ومصدرًا للحياة والمستقبل؟
أم أدوات وطقوس باطلة تُغنيك عن حضوره؟
من يختار الكنيسة ويعيش الأسرار المقدسة ويعطي قلبه لله، يجد الحرية، السلام، والشفاء الحقيقي. بينما من يلوذ بالخرافة يضل عن طريق النور، ويغلق على نفسه باب النعم السماوية.
فلنُسلّم له ماضينا، ولنعلن سيادته على مستقبلنا، ولنسلك بنور وجهه، عالمين أن “كلّ ما يُعلَن يُنار، لأنّ النور هو الذي يُنير كلّ شيء” (أفسس ٥: ١٣-١٤).