تُعدّ جبلة إحدى المدن السورية العريقة الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة اللاذقية، وتمتاز بتاريخٍ طويلٍ من التفاعل الحضاري والثقافي. وقبل القرن السابع للميلاد، لم يكن سكان جبلة على معرفةٍ باللغة العربية، إذ كانت اللغة السريانية هي لغتهم الأم، كما كانوا يتقنون أيضًا اللغة اليونانية التي شاع استخدامها في تلك الحقبة ضمن مناطق النفوذ البيزنطي.
وفي أواخر القرن الرابع الميلادي، ذاع صيت سويرين السرياني، أسقف جبلة، الذي حظي بمكانة علمية ودينية بارزة. وقد تلقّى دعوة من أسقف القسطنطينية يوحنا فم الذهب لزيارة العاصمة البيزنطية، حيث قام بالوعظ والخطابة أمام سكانها باللغة اليونانية، غير أنّ لهجته كانت تميل إلى السريانية أكثر منها إلى اليونانية، ما يعكس عمق ارتباطه بلغته وهويته الأصلية.
وتُنسب إلى سويرين السرياني مخطوطتان ثمينتان باللغتين السريانية واليونانية، محفوظتان اليوم في المتحف البريطاني في لندن، وتُعدّ إحداهما نسخة من الأصل تعود إلى عام 886 ميلادي، ما يجعلها من الوثائق النادرة التي تُضيء على التواصل الثقافي بين الشرق والغرب في تلك الحقبة.
كما كان للسريان حضورٌ ديني بارز في جبلة، تجلّى في انتشار الأديرة على طول الساحل السوري، ومن أبرزها: دير حنّا، ودير صوما، ودير روتان، ودير ديرونا، وهي شواهد على ازدهار الحياة الروحية والعلمية في المنطقة.
يُذكر أن هذه المعلومات وردت في كتاب “أصدق ما كان عن تاريخ لبنان وصفحة من أخبار السريان” للمؤرخ فيليب دي طرازي، الذي يُعدّ من أوائل الباحثين الذين وثّقوا التراث السرياني وتأثيره في المشرق العربي.