على امتداد جبل الكرمل، من ارتفاع 170 مترًا حتى مدينة حيفا وساحل البحر الأبيض المتوسط، تنبسط واحدة من أجمل معالم فلسطين الطبيعية والروحية. جبل الكرمل ليس مجرد كتلة صخرية تُشرف على الساحل، بل مزار مقدّس يحمل في طيّاته عبق التاريخ، ووهج الإيمان.
في أعاليه، يقع دير “ستيلا ماريس”، المزار الرئيسي العالمي لـسيدة جبل الكرمل (سيدة كارمن)، الذي يحتضن في قلبه مغارة النبي إيليا، حيث يتوافد آلاف الحجاج سنويًا من مختلف أصقاع الأرض، لزيارة المكان والتبرك من هذا الموضع المقدس.
من هناك، يمكن رؤية مدينة حيفا وخليجها، وامتداد البصر يصل إلى عكا، مدينة القديس يوحنا العكاوي، وتلوح في الأفق مدن جنوب لبنان، في مشهد بانورامي يُذهل العين ويأسر الروح.
إن من حظي بنعمة الحج إلى الأراضي المقدسة، يدرك أن خطوته على جبل الكرمل لا تُمحى من الذاكرة أبدًا، فقد كانت وستبقى تجربة تأملية روحية سامية.
يُشير تراث رهبنة الكرمل إلى أن متوحدين سكنوا هذا الجبل المقدّس حتى قبل العهد المسيحي، وكانوا يكرّمون “من كان مزمعًا أن تلد المسيح”، أي العذراء مريم. ويُروى أن كثيرين منهم نالوا الروح القدس يوم العنصرة، وتمتعوا بالألفة مع العذراء، التي ظهرت لهم في المكان ذاته، على هيئة سحابة رآها النبي إيليا، فبنوا أول كنيسة في العالم على شرفها هناك.
منذ بداياته، وجّه جبل الكرمل أنظاره إلى مريم، باعتبارها مثال الحياة التأملية الباهرة، ونموذجًا في الطاعة والخدمة الكاملة للرب. وفي القرن الثالث عشر، سلّمت العذراء القديس سيمون ستوك، رئيس رهبنة الكرمل، ثوب النجاة المقدس، عربونًا لمحبتها وحمايتها لمن يرتديه بإيمان.
ولهذا، لا يُعد عيد سيدة جبل الكرمل مناسبة خاصة بعائلة رهبانية فحسب، بل عيدًا للكنيسة جمعاء، التي نالت عبر العصور بركات لا تُحصى وحماية دائمة بفضل هذه السيدة السماوية.