دع الناس يخطئون في انطباعهم عنك… ففي ذلك راحة لا تُقدَّر 

You are currently viewing دع الناس يخطئون في انطباعهم عنك… ففي ذلك راحة لا تُقدَّر 
عندما كنتُ في المدرسة الابتدائية، اتُّهمت بسرقة ممحاة معطرة على شكل ثمرة أناناس من زميلة لي.
لم أفعلها، لكن لا أحد صدقني في ذلك الوقت.
المعلمة نظرت إليّ وكأنني طفلٌ سأنتهي في مركز تأديبي، وزميلتي بكت وكأنني سرقت منها قطعة من طفولتها.
بعد فترة، وُجدت الممحاة داخل الجيب الداخلي لسترتها.
قالت إنها “نسيت” أنها وضعتها هناك.
لم أسمع منها اعتذارًا، ولم ينصفني أحد.
جلست بهدوء على مقعدي… وسكت.
ربما كانت تلك أول مرة أكتشف فيها أن الصمت أمام الظلم يمكن أن يكون غريبًا، لكنه هادئ… ومرات كثيرة، يكون هذا هو الخيار الأفضل.
معظم الناس لا يستطيعون ترك الآخرين يخطئون في حقهم دون رد.
نحاول أن نُصحح، ونوضح، ونشرح كثيرًا.
نكتب رسائل طويلة، ونضع نقاطًا وشرحًا وتفسيرات عاطفية.
كل هذا لأننا نريد أن نُفهم بشكل صحيح، نريد أن يرونا كما نحن فعلًا.
أن يُساء فهمك شعور مزعج.
يشبه الحكة في مكان لا تصل إليه.
يضايقك، ولا يمكنك تجاهله، ويبدو شخصيًا جدًا.
لكن… هل تعرف الحقيقة؟
معظم الناس لا يبحثون عن الحقيقة فعلًا.
هم فقط يبحثون عن ما يؤكد أفكارهم المسبقة.
لذلك، ما تحاول أن توضّحه لهم؟ هم قد حكموا عليه مسبقًا.
وهذا الكلام ليس حديثًا روحانيًا يشبه ما يقوله غاندي، كأنك ترتفع فوق مشاعرك وتبتسم للناس الذين يكرهونك. لا، بالعكس، هو تصرّف عملي جدًا يساعدك في الحفاظ على هدوءك الداخلي.
لأن محاولة إقناع شخص لا يريد أن يفهمك، مجرد مضيعة للجهد والوقت.
نحن نعيش في عصر الآراء السريعة.
الناس يتحدثون قبل أن يعرفوا الحقيقة، والتفاصيل الدقيقة لم يعد لها قيمة كما في السابق.
الضغط عليك لتشرح وتدافع عن نفسك لا يتوقف.
لكن ماذا لو قررت ببساطة… ألا تفعل شيئًا؟
الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس، الذي كان يحكم إمبراطورية كاملة، وكان يسمع الكثير من الكلام عن نفسه، كتب ذات يوم:
“إذا أثبت لي أحد أنني مخطئ، فسأغير رأيي بسرور. لأنني أبحث عن الحقيقة، وهي لا تؤذي أحدًا. المؤذي هو أن يخدع الإنسان نفسه ويتمسك بالخطأ.”
لاحظ أنه لم يقل:
“سأقضي وقتي أبحث عن رد قوي.”
أو “سأحرص أن يعرف الجميع الحقيقة الكاملة عني.”
هو قال ببساطة: إذا كنتُ مخطئًا، سأصحح نفسي. أما إن لم أكن، فلا مشكلة لدي.
الرجل كان مشغولًا بإدارة إمبراطورية… ولم يكن لديه وقت للرد على كل إساءة.
وأنت كذلك… لديك حياتك وما يشغلك.
عندما يسيء أحدهم فهمك، غالبًا لا يستحق الأمر أن تشرح له.
لأن:
الوقت الذي تقضيه + الجهد الذي تبذله + النتيجة المتوقعة = لا يستحق العناء.
تذكرت أنني ذات مرة جلست لثلاث ساعات كاملة أكتب رسالة إلكترونية لشخص بعيد عني، فقط لتوضيح موقف بسيط.
ثلاث ساعات!
كنتُ أستطيع أن أتعلم طبخة جديدة، أو أشاهد فيلمًا طويلًا، أو آخذ قيلولة تريحني.
لكن بدلًا من ذلك، كتبت رسالة مليئة بالتفاصيل.
هل غيّرت رأيه؟ أبدًا.
بل أصبح يظن أنني “شخص دفاعي” فوق ما كان يعتقده عني سابقًا.
العالِم ريتشارد فاينمان، وكان من أذكى الناس، قال مرة:
> “تعلمتُ منذ وقت مبكر الفرق بين معرفة اسم الشيء، ومعرفة الشيء نفسه.”
كثير من الناس يظنون أنهم يعرفونك، بينما هم فقط يعرفون صورة خيالية صنعوها عنك في عقولهم.
دعهم يحتفظون بهذه الصورة.
لن يكلّفك ذلك شيئًا.
في كل مرة يُسيء إليك أحدهم الفهم، أنت تكتشف شيئًا مهمًا:
هل يستحق هذا الشخص وقتك أم لا؟
الناس الذين يستحقونك هم من:
يسألون إذا لم يفهموا شيئًا
يمنحونك فرصة لتشرح
يتقبّلون تغيير رأيهم
يهتمون بالحقائق
أما الذين لا يستحقون شرحك فهم من:
يحكمون بسرعة
يتمسكون بانطباعهم الأول
يرفضون أي دليل يناقض فكرتهم
يتحدثون عنك بدلًا من الحديث معك
وعندما يُظهِر لك شخصٌ ما إلى أي نوع ينتمي، فقد وفّر عليك عناء التفكير.
الجواب صار واضحًا: لا تبذل جهدًا إضافيًا معه.
في البوذية، يوجد مفهوم جميل اسمه “السكينة”.
ويعني أن تلاحظ ما يحدث من حولك، لكن دون أن تنجرف بمشاعرك. ليست لا مبالاة، لكنها راحة متزنة.
ومن أجمل ما قاله بوذا:
“يمكنك أن تبحث في الكون كله، ولن تجد شخصًا واحدًا يستحق حبك ورحمتك أكثر من نفسك.”
هذا الكلام لا يعني الغرور أو الأنانية، بل يعني ببساطة أن راحتك النفسية مهمة.
حين ترد على كل إساءة فهم، كأنك تقول:
“رأيي بنفسي أقل أهمية من رأي الآخرين بي.”
وتلك صفقة خاسرة.
التاريخ مليء بأشخاص أُسيء فهمهم:
العالم جاليليو وُضع تحت الإقامة الجبرية لأنه قال إن الأرض تدور حول الشمس. الآن نُطلق اسمه على التلسكوبات.
الشاعرة إميلي ديكنسون نشرت عددًا قليلًا جدًا من القصائد في حياتها، وبعضها غيّروه رغمًا عنها. أما اليوم، فهي من أعظم شعراء أمريكا.
هؤلاء لم يرَوا الناس يعترفون بقيمتهم.
لكنهم استمروا فيما يحبونه.
لا أقول إنك عبقري مظلوم (رغم أن هذا ممكن)، بل أقول إن أغلب سوء الفهم ينسى خلال أيام…
أما الأمور المهمة، فهي التي تبقى.
أن تترك الناس يخطئون في حقك ليس ضعفًا.
بل مهارة تحتاج تدريبًا. وهذه بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدك:
لاحظ رغبتك في التوضيح
اسأل نفسك: “هل هذا الشخص مهم بالنسبة لي؟”
اسأل: “هل توضيحي سيغير شيئًا فعلًا؟”
اسأل: “بعد سنة من الآن، هل سأظل أفكر في هذا؟”
وإذا كانت الإجابات تميل إلى “لا”… فاختر الراحة.
بالنسبة لي، لدي حركة بسيطة أستخدمها في مثل هذه المواقف:
عندما أشعر برغبة في الدفاع عن نفسي، آخذ نفسًا عميقًا، وألمس بإبهامي طرف إصبعي الأوسط.
هذه الإشارة تعني لي: اترك الأمر يمر.
أحيانًا أتخيل سوء الفهم كأنه بالونة تطير في السماء… وتبتعد.
قد يبدو الأمر بسيطًا أو حتى غريبًا… لكنه نافع.
طبعًا، هناك مواقف تحتاج فيها أن توضّح، مثل:
إذا كان سوء الفهم يؤثر على عملك أو دخلك
إذا أثّر على علاقتك مع من تحب
إذا كان هناك ضرر قانوني أو شخصي
إذا كان الشخص يعني لك كثيرًا
أو إذا كنتَ أنت جزءًا من سبب الخلل
في هذه الحالات، نعم، التوضيح مهم.
لكن حتى حينها: وضّح مرة واحدة، بهدوء وصدق.
وإن لم يفهموا بعد ذلك، فقد فعلت ما عليك.
أول مرة تترك فيها شخصًا يخطئ في حقك دون رد، سيكون الأمر صعبًا.
ستشعر برغبة في الكتابة، في التوضيح، في الدفاع.
عقلك سيُصوّر لك كل النتائج السلبية.
لكن في الغالب… لا يحدث شيء.
أو يحدث شيء صغير… ثم يزول.
وستكتشف كم كنت تُرهق نفسك في محاولة تغيير أفكار الآخرين عنك.
وعندما تتوقف عن فعل ذلك، تعود إليك طاقتك.
يمكنك أن تستخدمها في أشياء جميلة:
الكتابة، الرسم، النوم، تعلم مهارة جديدة، الحديث مع من يفهمك، أو حتى التحديق في السماء.
لقد جرّبت هذا… ووجدته يستحق.
أن تعيش مرتاحًا دون أن تلهث خلف رأي كل شخص بك… هذا ليس أمرًا بسيطًا.
بل هو الفرق بين أن تعيش حياتك كما تريد، أو أن تعيش كما يتخيّلك الآخرون.
اختر حياتك.
دعهم يخطئون.
وابحث عن سلامك الداخلي ..
مقال مترجم من محمد عصمت ، كتابة سادفي فارساي

اترك تعليقاً