زمن الدنح المبارك-عيد الدنح المجيد

الخوري نسيم قسطون

نفتتح اليوم زمناً طقسياً جديداً هو زمن الدنح، أي الظهور، الّذي يرتبط بتجلّي الثالوث الأقدس يوم اعتمد الربّ على يد يوحنّا فسُمع صوت الآب وظهر الرّوح القدس…

أول سؤال قد يخطر على بال المتأمّل بهذا الحدث هو: “لِمَ إعتمد الربّ يسوع؟”.

يجيب كتاب “التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة” في العدد  536 على هذا السؤال: “إعتماد يسوع هو، من جهته، قبولُ وإفتتاحُ رسالته كخادمٍ متألم. إنه يَسمح بأن يُعدَّ في الخطأة. وهو منذ الآن “حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” (يوحنا 1: 29)؛ وهو منذ الآن يستبق “معمودية” موته الدامي. إنه يأتي منذ الآن “ليكمّل كل بر” (متى 3: 15)، أي ليخضع بكليته لمشيئة أبيه: إنه يرتضى بمحبة معمودية الموت هذه لمغفرة خطايانا ويقابل هذا الرضى جواب صوت الآب الذي يجعل في إبنه كل مسرته. والروح، الّذي يملكه يسوع بملئه منذ الحبل به، يأتي و”يستقر عليه وهو سيكون ينبوعه لجميع البشر. فعند إعتماده “تنفتح السماوات” (متى 3: 16) التي أغلقتها خطيئةُ آدم؛ والمياه تتقدس بحلول يسوع والروح القدس، إفتتاحًا للخلق الجديد”.

ويوجز الكتاب نفسه ما سبق في العدد 565 بالقول: “إن يسوع، منذ بدء حياته العلنية، في إعتماده، هو “الخادم” المكرّس بكلّيّته لعمل الفداء الذي سيتم بـ “معمودية” آلامه”.

لم يعتمد الربّ يسوع لينال مغفرة الخطايا كما يفعل من ينالون المعموديّة من يوحنّا بل، وفق ما اكّد القدّيس أمبروسيوس، ﻟ”يطهّر المياه”!

بهذا التطهير، أضحت المياه “رحماً” يلد أبناء لله بالتوبة (النّار المطّهرة) والمعموديّة (بالرّوح القدس)!

هذا ما يوضحه العدد 537: بالمعمودية يُشَبَّه المسيحي سريًّا بالمسيح الذي يستبق بمعموديته موتهُ وقيامته؛ يجب عليه أن يدخل في سرّ التنازل الوضيع والتوبة، وأن ينزل في الماء مع يسوع، لكي يعود إلى الصعود معه، وأن يولد من الماء والروح لكي يصبح، في الإبن، الإبن الحبيب للآب و”يحيا حياة جديدة” (رومة 6: 4)”…“لندفن ذواتنا بالمعمودية مع المسيح، لكي نقوم معه؛ لننحدر معه، لكي نُرفع معه، لنصعد معه لكي نُمجَّدَ فيه”… “كل ما جرى في المسيح يُعْلِمنا أنه، بعد حمام الماء، ينزل علينا الروح القدس من السماء، وأننا بتبني صوت الآب لنا، نصبح أبناء الله”.

حدث المعموديّة أعطى حكماً مفهوماً جديداً للمعموديّة التي كانت لمغفرة الخطايا فأضحت ولادة جديدة، ينتقل فيها الإنسان من مجرّد بشريّ إلى صورةٍ لله يعيشها وفق مثال الربّ يسوع إن طابقت حياته رسالته ودعوته!

هذا الزمن، زمن الدنح، يشكّل فرصةً لنا لنعيد سؤال ذواتنا حول مدى أمانتنا لدعوتنا كأبناء لله بالتبني، نشعّ بنوره في عالم اليوم!

فكلّ ما حولنا يغشاه بعضٌ من سلام النسبيّة الأخلاقيّة والرّوحية وهو يحتاج لإزالة هذا البرقع بشهودٍ حقيقيّين لله في محيطهم المباشر!

نحن أبناء الله بالتبنيّ وأبناء جرن المعموديّة أسرارياً فهل نحن أمناء لهذه البنوّة؟!

مع عماد المسيح، نسأل الروح القدس أن يعيننا فنموت عن بعدنا عن بنوّتنا للآب لنحيا مع المسيح وفي المسيح وبالمسيح!

اليوم هو اليوم المناسب لنجدّد بنوّتنا للّه وشهادتنا للمسيح بتجديد حضور الرّوح القدس في قلبنا وفكرنا وروحنا وحياتنا فنضحي مسيحيّين بشكل “دائم”!

كل عيد وأنتم بخير!

اترك تعليقاً