«كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ، وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ، هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ» (يعقوب ١٧:١)
كيف نكتب عنك يا زياد، وأنت الذي كتَبَنا جميعًا، دونَ أن ندري؟
كنتَ أكثر من فنّان. كنت عطيةً من عند الله، لا تُقاس بالتصفيق، ولا تُختزل في لقب.
كنتَ نفسًا موسيقية نزلت من عند أبي الأنوار، نُفِخَ فيها صدقٌ لا يُشترى، ووجعٌ لا يُصطنع، وموهبةٌ لا تُعَلَّم.
لم تكن صانع الفنّ. كنت تُنزِلُه كالوحي، مزيجًا من نور ونار، من غضب وحنين، من ضحكةٍ لا تنجو من الدمع.
كنت تشبهنا، وتفضحنا.
تصرخ باسمنا، ونحن صامتون.
وفي كلّ كلمة، في كلّ مقام، كنت تحفر في الضمير ما عجزت عنه خطب المنابر.
كنت تعرف أن من لا يحزن بصدق، لا يضحك بصدق. ولهذا، ضحكنا معك وبكينا، لأنك كنت أوضح وأصدق من كلّ المرايا.
زرعت فينا الألم كما يزرع العاشقُ الحَبّ، وسقيتنا فنًّا، يروي الأرض اليابسة من الروح.
قلتَ: “قوم فوت نام، وصير حلام إنّو بلدنا صارت بلد…”
لكنّك لم تنم. كنتَ تحرس أحلامنا من الانقراض. كنتَ تغفو على الخشبة، لتوقظ أمّةً بأكملها. وكنت تسخر من الهزيمة، كي لا نصيرها نحن.
كنت تعرف يسوع، وإنْ لم تتكلّم عنه كثيرًا. كان يعنيك. كان يخاطبك بلغةٍ تفهمها أنت، لا نحن. يسوع لم يكن بعيدًا عنك.
هو نطقَ فيك عندما صرخت وكتبت “جايي مع الشعب المسكين، جايي لأعرف أرضي لمين، لمين عم بيموتو ولادي بأرض بلادي جوعانين”. كلّ جائع، يسوع. كلّ مصلوب على فقره، يسوع. وكلّ من يصرخ بالحق، هو صوتٌ من صوته.
كنت تصلّي له كلّما عزفت، وكلّما أنطقت رشيدًا أو زكريا، وكلّما مزجت بساطة “سهريّة” بأبديّة الحنين.
في صمتك صلاةٌ، وفي عزفك صرخة، وفي سُخريتك مزمور. ولهذا “بلا ولا شي” أحببناك.
يا زياد،
ربّما لم نستحقّك، لكنّنا أحببناك. ولم نفهمك دائمًا، لكنّنا صدّقناك، لأنّ في زمن الكذب الملمّع، كانت حقيقتك نارًا ونور.
من قال إن الوقت مناسب للغياب؟
الفن يموت. الوطن ينزف. الناس تصرخ من الجوع واللاجدوى.
موهبتك كانت وصيّةً بلا ألواح، وقيامةً وسط موتٍ عامّ.
فمن يوقظ ضميرنا الآن؟
رحلت يا زياد، لكنّ الهبات التي تأتي من عند أبي الأنوار لا تغيب.
ستبقى بيننا، كترنيمة لا تنطفئ،
كسؤال لا يهدأ، كأملٍ لا يُقهر.
وستبقى قائمًا في كلّ من عزف وجع الفقير والجائع، في كلّ من عزف يسوع بصدق.
فالمسيح قام يا زيّاد.
الأب رامي ونّوس-
		
		
