الخوري نسيم قسطون:
في ذلك السبت الغريب، عندما ختموا الحجر على القبر وأقاموا الحراس، ظنوا أنهم قد أنهوا القصة إلى الأبد. لكنهم لم يكونوا يعلمون أنهم، بفعلتهم تلك، كانوا يوقعون على شهادة ميلاد أروع قصة حب عرفها التاريخ. لقد أرادوا قتل الذكرى كما قتلوا الشخص، فإذا بهم يوقظون الحقيقة التي لن يموت أثرها أبداً.
نحن أيضاً، في كثير من الأحيان، نحاول أن نختم على الله في زوايا حياتنا. ندفنه تحت طبقات من الأعذار: “أنا حر”، “أنا سيد نفسي”، “لا أريد أن أكون قديساً”. نصنع لأنفسنا قبوراً مزيفة من الانشغالات والاهتمامات الزائلة، ونضع عليها حراساً من اللامبالاة والأنانية. لكن الحقيقة التي لا يمكن ختمها هي أن الله حي في عمق ضمائرنا، في ذلك الصوت الخافت الذي يوقظنا عندما نخطئ، في تلك الرغبة العميقة في المحبة والمغفرة التي لا تفسرها الماديات وحدها.
سبت النور هو اليوم الذي يفضح كل أقفالنا الواهية. فما أن تشرق شمس القيامة حتى تتحطم كل الأختام، ويسقط كل الحراس عاجزين. النور الحقيقي لا يحتاج إلى إذن ليدخل، فهو يخترق حتى أسمك الجدران. كم من “قبر” صنعناه في حياتنا ظننا أنه سيحجب النور؟ قبر اليأس، قبر الأنانية، قبر الحقد القديم… لكن النور يبحث دائماً عن شقوق ليدخل منها.
اليوم، يدعونا الله إلى أن نوقف تمثيلية “الحراس” التي نلعبها. فلنكف عن حراسة قبورنا الفارغة! لنوقف هذا الجهد العقيم في الدفاع عن موتى لا وجود لهم! الله لا يمكن حبسه في الماضي، ولا يمكن اختزاله في ذكريات طقوسية. هو هنا الآن، يطرق باب قلبك، ليس كذكرى، بل كحقيقة حية تطلب منك أن تحيا.
الذين ختموا القبر كانوا يخافون من “الضلالة الأخيرة”. ونحن أيضاً نخاف من الحقيقة عندما تتحدى راحتنا. نفضل “إله القبور” على “إله القيامة”، لأنه أسهل للتعامل معه. إله الماضي يمكن وضعه في إطار جميل على الحائط، أما إله الحاضر فيطالبنا بالتغيير.
لكن الصليب علمنا أن الله لا يخاف من ختمنا الواهي. القيامة تذكّرنا بأن كل محاولاتنا لإبقاء الله في “مكانه الآمن” ستفشل. هو أقوى من كل حراسنا، أعمق من كل قبورنا. عندما نظن أننا قد أمسكنا به، إذا به يظهر من جهة لم ننتظرها.
اليوم، لنتوقف عن حراسة القبور. لندع النور يخترق ظلامنا. فلنخرج من سجن “الأنا” الذي بنيناه حول أنفسنا. القيامة ليست حدثاً من الماضي، بل هي واقع نعيشه كل يوم، كلما اخترنا أن نحيا بالحب بدل الكراهية، بالغفران بدل الحقد، بالرجاء بدل اليأس.
القيامة تبدأ عندما نجرؤ على إزالة الحجر عن قبورنا الداخلية. عندما نسمح للنور أن يلمس جراحنا وأحزاننا. عندما نصدق أن الموت ليس النهاية، وأن الحب أقوى من كل ختم، وأن النور سينتصر، حتى لو بعد حين.
فهل نجرؤ اليوم على أن نكون من أبناء النور؟