سبت النّور

الخوري نسيم قسطون:

“فَذَهَبُوا وضَبَطُوا القَبْر، فَخَتَمُوا الـحَجَرَ وأَقَامُوا الـحُرَّاس””.

بعد أن اطمأنّ الرؤساء والفرّيسيّون إلى المرحلة الأولى من خطّتهم وهي قتل يسوع المسيح، انتقلوا إلى التفكير بالتداعيات وأهمّها الخوف من أن “يَأْتِيَ تَلامِيذُهُ ويَسْرِقُوه، ويَقُولُوا لِلشَّعْب: إِنَّهُ قَامَ مِنْ بَينِ الأَمْوَات، فَتَكُونَ الضَّلالَةُ الأَخِيرَةُ أَكْثَرَ شَرًّا مِنَ الأُولى!”.

أحيانًا نفكّر مثل الأحبار والفرّيسيّين…

نحضر إلى الكنيسة ونشارك وما أن ننهي الصلاة والقدّاس حتى نقفل باب الكنيسة ومعه نقفل قلبنا على كلام الربّ الّذي سمعناه للتوّ ونتنكّر للوحدة مع الله الّتي تمّت بتناولنا جسد الربّ ودمه…

ألا نشبه الأحبار والفرّيسيّين كثيراً؟!

فنحن تقتل الله في كثيرٍ من الأحيان في حياتنا، ولكنّنا لا نكتفي بذلك بل نحاول دائماً استكمال جريمتنا عبر التخلّص من كلّ ما يمتّ إليه بصلة: الملتزمون، رجال الدين، الكتاب المقدّس، الكنيسة…

ينطبق هذا على كلّ من يفصل ما بين حياته الرّوحيّة وحياته العمليّة فللكنيسة وجه قداسة وللدنيا وجه عمليّ ولو تناقض مع الوجه الأوّل…

لربّما يرتاح كثيرون منّا لو تمّ حبس الله في مكانٍ ما والحدّ من معرفته أو من إرادته!

لربّما أتاح لنا هذا بعضاً من سعادة ولو مؤقّتة او زائفة!

بالنسبة لنا، ربّما، الله هو مصدر كبت ربّما أو حرمان من أمنياتٍ أو مشاعر مكبوتة يرجون تحقيقها…

كثيرةٌ حججنا، ولكنّ الحقيقة واحدة: في عمق ذواتنا لا يوجد حيٌّ إلّا الله وما القبر والأختام إلّا أسوارٌ خادعة، نغشّ بها أنفسنا لأنّ وجود ربّنا في حياتنا هو حقيقة تتجلّى في تعاطفنا مع المظلوم وفي رغبتنا بالعيش بسلام ولو مع ألدّ أعدائنا وفي توقنا إلى أن نكون محبوبين وفي وجع ضميرنا كلّما صرخنا: “أبانا” ونحن نكذب في الباقي…

بشريّاً، سبت النّور يرمز إلى كلّ يومٍ نعيش فيه البعد عن الله أو الاستغناء عنه!

إنّه الوقت الّذي نغرق فيه في ذواتنا ولا يعود للربّ في حياتنا من دورٍ إذ نكون قد استبدلناه بآلهةٍ مزيّفةٍ أخرى، نلجأ إليها وكأنها ستمنحنا الخلاص، كمثل المال أو الشهوة… ولكن سرعان ما نكتشف عقمها عن منحنا الحياة!

يرمز هذا السبت أيضاً إلى خوفنا من المجهول الكامن خلف ستار الآتي…

ولكن، روحيّاً، يرمز سبت النّور إلى الضوء الّذي يغلب العتمة وإلى الرجاء الّذي يغلب اليأس وإلى المحبّة التي تغلب كل الأحقاد ولو بعد حين…

سبت النّور يدعونا إلى التطلّع إلى فجر القيامة لو مهما سبقه من آلام وجراح!

فيا من تحبس الربّ في زاويةٍ من قلبك، أطلقه اليوم من أسره واجعله سيّد حياتك فيعود إليها الفرح وتثبت فيها السعادة ويترسّخ فيها السلام وتنمو روح المغفرة…

لا يجب أن تغشّنا الصخرة الموضوعة على باب قبر قلبنا فتكفي كلمةٌ واحدةٌ من كاهننا: “مغفورةٌ لك خطاياك”، ليعود الربّ حرًّا داخلنا فيحرّرنا من كل ما يشدّ قلبنا بعيدًا عنه عن غير وجه حقّ!

يسوع لم يكن مجرّد فكرة ولا كان بطل أسطورة ولا شخصيّة تاريخيّة حتّى… ربّنا هو الله، سيدّ التاريخ والزمن الّذي وضع ذاته بين يدينا… فماذا سنفعل بالوديعة؟!

سبت النّور هو فرصةً لنا لنبصر نعم الله بعد أن تعامينا عنها ولنصغي إلى كلامه بعد أن صمّينا آذاننا ولنمشي صوبه بعد أن أقعدنا يأسنا… فالقبر منوّر والربّ قائم فيما قلوبنا ملأى بالسواد وأرواحنا مائتة… إلّا إذا وضعنا في القبر يأسنا ووضعنا في القائم رجاءنا وإليه سلّمنا أرواحنا.

إنّه السبت الّذي نولد فيه من جديد بقوّة النور المنبثق من قبر المسيح في فجر الأحد لنعود ونهتف باستحقاقٍ وإيمانٍ ورجاء: “المسيح قام حقّاً قام”!

 

اترك تعليقاً