سوريا: مهدُ زراعة العنب وصناعة النبيذ في الشرق القديم

You are currently viewing سوريا: مهدُ زراعة العنب وصناعة النبيذ في الشرق القديم

من أرض الحضارات الأولى، برزت سوريا بوصفها أحد أهم المراكز التي طوّرت زراعة العنب وإنتاج النبيذ في الشرق الأدنى والعالم القديم. وتؤكد الأبحاث الأثرية أنّ سكان مناطق الفرات وأوغاريت مارسوا زراعة العنب بشكلٍ منظّم منذ نحو 3000 قبل الميلاد، حيث استخدموه في التغذية والطقوس الدينية، كما شكّل جزءًا أساسيًا من النشاط الاقتصادي المحلي.

في أوغاريت، كان النبيذ يحمل دلالاتٍ دينية ورمزية عميقة، إذ كان يُقدَّم في المعابد والقصور بوصفه قربانًا للآلهة، وارتبط اسمه بالملوك والكهنة والاحتفالات المقدّسة. أمّا في ماري، فقد اكتسب النبيذ بُعدًا سياسيًا واجتماعيًا، فكان مشروب النخبة ووسيلة دبلوماسية تُقدَّم في الولائم الرسمية بين الحكّام.

ولم تقتصر مساهمة سوريا القديمة على الزراعة فحسب، بل شملت أيضًا تنظيم الإنتاج والتوزيع بدقة عالية؛ فقد عُثر في الأرشيفات الملكية على سجلاتٍ توثّق أسماء الكروم وكميات النبيذ المنتَجة والموزّعة، ما يعكس تقدّم النظام الإداري والزراعي في تلك الحقبة.

ومع انتشار المسيحية في بلاد الشام، اكتسب النبيذ بُعدًا روحيًا جديدًا، إذ أصبح رمزًا دينيًا مقدّسًا في العشاء الأخير وفي طقوس القدّاس الإلهي. واستمرّت الأديرة والكنائس السورية في إنتاج النبيذ عبر القرون، محافظةً على هذا الإرث الزراعي والروحي حتى يومنا هذا.

حتى من الناحية اللغوية، تُظهر الدراسات أن كلمة «خمر» تنحدر من الجذر السامي المشترك ḥmr، الذي يعني “غطّى أو تخمّر”، وهي ذاتها الكلمة في الأوغاريتية والسريانية (ܚܡܪܐ ḥamrā)، ما يدلّ على الامتداد الثقافي واللغوي العميق لهذه المفردة في حضارات المشرق القديم.

اترك تعليقاً