سوريا مهد الحضارة الإنسانية: من أوغاريت إلى قاسيون

You are currently viewing سوريا مهد الحضارة الإنسانية: من أوغاريت إلى قاسيون

إنّ الحديث عن سوريا، ليس مجرّد استذكارٍ لتاريخٍ عابر، بل هو إبحارٌ في ذاكرةٍ إنسانيةٍ موغلةٍ في القِدم، شكّلت منطلقًا للحضارة، ومرتكزًا للثقافة، ومنبعًا للإبداع البشري منذ فجر التاريخ.

ففي مدينة أوغاريت (رأس شمرا)، الواقعة على الساحل السوري، وُلدت أول أبجدية عرفها الإنسان، فكانت فاتحةً لعصرٍ جديد من التواصل المدوَّن والمعرفة. ولم تقتصر أوغاريت على الأبجدية فحسب، بل كانت أيضًا موطن أقدم قطعة موسيقية مكتوبة في التاريخ، وهي “ترنيمة الحوريات رقم 6” (Hurrian Hymn No. 6) التي دُوّنت بالخط المسماري على ألواح طينية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

من رحم هذه الأرض أيضًا وُلد فن نفخ الزجاج، الذي انطلق من سوريا ليزيّن حضارات العالم، وكذلك الأسطول الفينيقي السوري الذي جاب البحار حاملاً الثقافة السورية إلى المتوسط وأبعد.

في شمال البلاد، وتحديدًا في كهف الديدرية في حلب، عُثر على اكتشافات بشرية تُعدّ من أقدم دلائل الوجود البشري في العالم، ما يجعل من سوريا شاهدًا على البدايات الأولى للإنسان.

أما في السهول والوديان، فقد بزغت الزراعة من الأرض السورية، حيث كان القمح أولى هباتها للإنسان، لتكون سوريا مهد أول مجتمع زراعي عرفه التاريخ.

ويُعد جبل قاسيون في دمشق من الأماكن المقدسة ذات الرمزية العالية، حتى لقّبه الرحالة ابن بطوطة بـ”مصعد الأنبياء”. وقد أشار المؤرخ ابن عساكر إلى أن النبي إبراهيم عليه السلام وُلد على سفحه، فيما ذكر الرحالة ابن جبير أن حنة والدة السيدة مريم العذراء سكنت في جهته الغربية، وهي المنطقة التي اختبأ فيها النبي يحيى بن زكريا عليه السلام مع أمه أربعين عامًا.

وعلى الصعيد الحرفي، تميّزت دمشق بـالبروكار الدمشقي، ذلك النسيج الفاخر الذي دمج خيوط الذهب والفضة، متحديًا حتى الحرير الصيني، ومؤكدًا مكانة سوريا في صناعة النسيج العالمي.

أما على مستوى الفكر والأسطورة، فقد نشأت من أرض سوريا رموزٌ خالدة كـ طائر الفينيق، وعشتار، وتموز، تلك الأساطير التي لم تُروَ للتسلية، بل لغرس القيم: حبّ الأرض، والإيمان بالبعث بعد الفناء، وتقدير المرأة، ورفع قيمة العمل، وتكريس سموّ الحب، وقهر اليأس.

إنّ القيم التي حملها أجداد السوريين لم تكن عابرة، بل أسّست لحضارة متجذّرة في الإنسان، صنعت التاريخ، ولا تزال تلهم الحاضر.

اترك تعليقاً