فكتب جبران خليل جبران يقول :
“نحن أمّة تحتضر ولا تموت، قد احتضرت ألف مرّة ومرّة ولم تمت، وستحتضر ألف مرّة ومرّة وتظلّ حيّة، نحن شعوب تُغلب وتخضع في ظاهرها، ولكنّها تبقى ظافرة في طويتها، نحن الأقوياء بضعفنا، المنتصرون بانكسارنا، نحن الذين نأكل قلوبنا طعاماً ونشرب دموعنا خمراً غير أنّنا لا نلوي أعناقنا ولا نحوّل وجوهنا عن الكواكب ..
نحن عقدة لم تحلّها الأيام وستبقى غير محلولة، نحن باب ضاعت مفاتيحه وسنظلّ بابا موصداً يحجب وراء مصراعيه أسرار الأزمنة الغابرة وأسرار الأزمنة الآتية، نحن نندب وفي ندبنا همس الحياة، وغيرنا يهلّل وفي تهاليله تأوّه الموت ..
نحن صرخة تخترق غلاف الأثير، أمّا سوانا فضوضاء تزعج الهواء، تقلق الأزقّة والشوارع ..
نحن أغنية قديمة ترددها الذكرى كلّ صباح وكلّ مساء، أمّا غيرنا فلغط في لجّة ولفظ في هاوية ..
نحن جبل راسخ مقيم، أمّا سوانا فأشباح تأتي مع الظلام وتضمحلّ بإضمحلال الظلام ..
نحن أمّة قوية بضعفها، جليلة بأضمارها، تتكلّم وهي صامتة وتعطي وهي تتسوّل، نحن حمل أجمة، أمّا عدونا فينظر إلينا من شاهق ثم يهبط ويقبض علينا بمخالبه وينهش أجسادنا بمنقاره مستطيباً طعمنا، ولكنه لا يستطيع ابتلاعنا ولن يستطيع ابتلاعنا ..
نحن نسكن على ملتقى الطرق، فما مرّ بنا فاتح إلّا وغرس السيوف في حدائقنا والرماح في حقولنا متوهّماً أنّها ستنبت غاراً يكلّل بها رأسه، ولكنّها لا تنبت سوى الشوك والحسك ..
تقولون أنّنا فقراء محتاجون. نعم، نحن فقراء لأنّنا لم نتعلم السرقة وفنون الإحتيال والغزو والنهب، فلم نحصد قط سوى ما زرعنا ولم نلبس سوى ما غزلنا ..
نحن قوم نبتسم لمن يضحك لنا ولكنّنا لا نضحك معه، نحن قوم نتقلّد ضيوفنا والوفود المبعوثة إلينا، ولكنّنا لا نلبث أن نعود إلى ما بنا عندما يرحلون عنا، ونحن قوم في جلودنا لين ونعومة، أما عظامنا فكثيفة كعروق السنديان، ونحن قوم نلبس لكل حالة لبوسها أمّا قلوبنا فتظلّ في مأمن من الأطوار والتطور، وأما أرواحنا فتظلّ في جوار الله.”
