تقع قرية علما الشعب في أقصى جنوب لبنان، وتبعد نحو 105 كيلومتراً عن بيروت عبر الطريق الساحلي صيدا – صور – الناقورة، أو حوالي 190 كيلومتراً عبر طريق بيروت – شتورة – راشيا – حاصبيا – بنت جبيل – علما الشعب. وترتفع في أعلى نقطة منها نحو 400 متر عن سطح البحر. ويكتسب اسم القرية أهمية لافتة من حيث تعدد التفسيرات المرتبطة بأصوله؛ إذ يُرجّح أن يكون من جذور سامية بمعنى “مكان الجبل”، فيما يرى آخرون أنّ “علما” قد تعني “العالم” وأن كلمة “شعب” قد تشير إلى المقابر أو المدافن، بما يعكس الطابع الطبيعي والتاريخي للمنطقة، خصوصًا لجهة انتشار الكهوف والمعابد القديمة والمقابر في محيطها.
وعُرفت علما الشعب تقليديًا بكونها قرية زراعية؛ فقد شكّل العمل الزراعي الركيزة الأساسية لنمط حياة سكانها، الأمر الذي انعكس على خصائصها العمرانية القديمة. فغالبية المنازل كانت تُبنى بثلاثة جدران مستقلة، بينما كان الجدار الرابع مشتركًا مع المنزل المجاور، في دلالة على طبيعة الحياة الريفية المتضامنة. كما اتّسمت المنازل بأبواب منخفضة تمنع دخول الخيول والحمير، وذلك حرصًا على تجنّب المفاجآت الأمنية والغارات المحتملة، بخلاف المنازل الكبيرة التي شُيّدت بأبواب واسعة تسمح بدخول الخيّالة والممتلكات. وتُظهر هذه السمات العمرانية محدودية الإمكانات المالية لسكان القرية الذين كانوا يعتمدون على إنتاجهم الزراعي في تأمين احتياجاتهم الأساسية.
وتتفق غالبية المصادر التاريخية على أنّ قرى منطقة صور كانت من أوائل المناطق التي اعتنقت المسيحية، وأنّ العديد من الكنائس شُيّد في تلك المنطقة منذ القرن الأوّل الميلادي. وقد كانت علما الشعب واحدة من هذه القرى، مستفيدة من قربها من قرية شمع، حيث يقع مزار القديس بطرس. وانطلاقًا من التعاليم المسيحية الأولى، عمد أهل علما الشعب إلى تطوير الزراعة وتحويل أراضيهم إلى كروم عنب وبساتين زيتون، بما يعكس تفاعلهم المبكر مع التحولات الدينية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة في تلك الحقبة
الصورة من ارشيف علي بدوي.
