عن “كرشوني”، “غَرَشوني” و”قريش”… تقاطعات لغوية ودلالات تاريخية

You are currently viewing عن “كرشوني”، “غَرَشوني” و”قريش”… تقاطعات لغوية ودلالات تاريخية

لا يقتصر معنى كلمة “كرشوني” على الإشارة إلى كتابة لغة غير سريانية بالحرف السرياني، كما هو شائع، بل تحمل الكلمة في طيّاتها معانيَ أعمق.

فاللفظ “كرشوني”، إذا نُطقت الكاف كالجيم المصرية، يصبح “جرشوني”، وهو ما يفعله بعض الناطقين، بينما يلفظه آخرون “غَرشوني”، بتحويل الجيم إلى غين، وهو تحول صوتي معروف في اللهجات السامية والعربية.

ومن المثير للاهتمام أن الكلمة في بعض السياقات تعني “الساكن بالإيجار” أو “الغريب” أو “عابر السبيل”، وهي معانٍ تفتح الباب أمام تأويلات اجتماعية وثقافية وهووية.

أما في اللغة الفينيقية، فإن الجذر GRS يحمل دلالة الطرد أو الإبعاد، أي “طَرَدَ، أبعَد”، وهو ما ينسجم مع معاني الغربة والعبور المؤقت.

وإذا دققنا في التحولات الصوتية بين الجيم والغين والقاف، نجد أن “غَرَش” كوحدة نقدية في بعض اللهجات تُلفظ “قرش”، والعكس يحدث في بعض المناطق، ما يشير إلى ديناميكية في تبادل الأصوات في السياق الشعبي والتاريخي.

وفي السريانية، الجذر ܓܪܰܫ (چرش) يحمل معاني عدّة مثل:
جرّ، سحب، جذب، مدّ، أغرى، حثّ، هيّج، جرش، ضرّ، آذى، صبر، احتمل، اعترض، قاوم، ضادد…
وهذه المعاني تفتح الباب أمام شبكة واسعة من الدلالات التي تجمع بين الحثّ والتحمّل، بين الطرد والمقاومة، بين الضرّ والصبر.

هل لهذا الامتداد الصوتي والمعنوي من “كرشوني” إلى “غَرَشوني” إلى “قريش” دلالة؟
هل الجذر GRS وما يحمله من معاني الطرد والجذب والمقاومة، يمكن أن يلقي ضوءًا مختلفًا على أصل تسمية “قريش”؟
هل يكون “قريش” – من حيث الجذر أو الاشتقاق – مرتبطًا بالفعل بـ”جَرَش” أو “غَرَش”، أي بالتحرك أو الغلبة أو الطرد أو حتى بالتجارة والتحصيل؟

كلها تساؤلات مشروعة في إطار علم اللغة المقارن، وتدعونا إلى الغوص أكثر في الأصول المشتركة للهجات وحضارات المنطقة.

اترك تعليقاً