الخوري نسيم قسطون:
نبدأ اليوم زمنًا طقسيًّا جديدًا مع عيد الصليب!
العديد من الناس يستخدمون كلمة “صليب” بمعنى سلبي، مرتبط بالعذاب والألم. فكثيرون يقولون “هذا صليب” عندما يواجهون المصاعب أو المرض. هذا الفهم يشبه رؤية “الهالكين” التي تحدث عنها بولس الرسول، حيث يرون الصليب علامة للقهر والموت… وآخرون يعتبرون الصليب مجرّد زينة أو شعار يُستخدم في بعض المناسبات دون فهمٍ لمعناه الحقيقي.
على مدى ألفيتين من تاريخ الكنيسة، رأت الكنيسة الصليب كعلامة انتصارٍ للحياة على الموت، ورمزًا لإرادة الله بالخير والحياة للبشرية، ضدّ رغبات الشرير الذي يسعى لإبعادنا عن الله فقد حوّل الرب يسوع الصليب إلى رمز للقيامة والمغفرة بكونه لم ينتقم من صالبيه، بل غفر لهم، وأظهر قوّة المحبّة والغفران التي تتجاوز كل شيء، حتى الموت.
الصليب هو إذًا دعوة للنظر إلى الله والانتباه إلى تعاليمه، فهو ليس مجرد قطعة زينة أو شعار فارغ من المعنى.
سار الربّ يسوع نحو الصليب وهو يعلم أنه آية لمجد الله ومحبته، وليس مجرد أداة للهوان لذا فالصليب هو أيضًا رمز للكرامة، فبعد الفداء، لم يعد علامة للقهر بل أصبح علامة لانتصار الإرادة على الذّات، وعلى الصعوبات التي تواجه الإنسان. كما أنّه رمز للحياة، لأنّ المسيح قام من بين الأموات، ومن خلال صليبه نتذكّر دائماً قوّة الحياة التي منحنا إياها.
في إنجيل هذا العيد (يوحنا 12: 20-32)، نرى اليونانيين يصعدون ليسجدوا في العيد ويطلبون أن يروا الربّ يسوع الّذي كانوا لا يزالون يعتبرونه مجرّد معلّم من معلّمي اليهود فيعطيهم الربّ مثل حبّة الحنطة الّذي انطبق فعليًا عليه فهو تلك الحبة التي ماتت وأعطت الحياة على الصليب الّذي أضحى رمزًا للحياة المنبثقة من الموت، كما أن حبة القمح التي تموت في الأرض تُنبت حياة جديدة!
وهنا يطرح السؤال: هل نعطي نحن ثمارًا صالحة في حياتنا الروحية والاجتماعية؟
يمكن لأيٍّ منّا أن يكون من:
- الثمار التي تنبت وتثمر بوفرة، وهي فئة عليها أن تستمر في المثابرة على هذا النهج.
- أو الثمار التي لا تكترث ولا تريد أن تنبت طواعيةً، وتحتاج إلى تعرّف أعمق إلى مصدر الحياة.
- أو الثمار الخائفة التي تتردد في اتخاذ خطوات شجاعة نحو التغيير والنمو.
إنجيل اليوم يدعونا إلى استثمار مواهبنا نثمر في حياتنا اليومية مثل حبّة القمح التي تُميت ذاتها لكي تنبت حبًّا وثمارًا جديدة عبر تجاوز الأنانية ومشاركة خبراتنا مع الآخرين، لنساعدهم على تجنّب الصعوبات التي مررنا بها، وأن نكون مثلاً حيّاً للرجاء والمحبة.
في عيد الصليب المقدس، نحن مدعوّون للتأمل في معناه الحقيقي بكونه يرمز لوحدة الله مع البشرية وللوحدة بين الناس. فهل نحيا حقاً وفقًا لمعاني الصليب؟
علينا أن نعيد اكتشاف هذه العلامة وأن نحملها بفخر لأنها تمثّل قوّة الله فينا فالصليب ليس مجرد قلادة نرتديها أو شعار نرفعه، بل هو أساس لهويتنا المسيحية، وعلينا أن نكون شهوداً لهذه الهوية في حياتنا اليومية.
كل عيد ونحن شهود حقّ لصليب الفداء!
Share via: