ولدت القديسة كاترينا وعاشت في الإسكندرية في زمن الإمبراطورَين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس بين أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع. ويبدو أنها كانت من فئة النبلاء، جميلة جداً وذكية جداّ. وقد سهّل لها موقعها الاجتماعي الانكباب على دراسة العلوم الكلاسيكية كالفلسفة والبلاغة والشعر والعلوم الطبيعية واللغات. وكانت ذات طاقة متفوّقة على استيعاب المسائل الذهنية الغامضة والمعقّدة، وكل ذلك قبل أن تتجاوز عمرها العشرين ربيعاً. وقد أتاها كثيرون يطلبون يدها فلم ترضَ بأحد منهم. ثمة دافِع في نفسها كان يُبعدها عن الزواج. ولكي تردَّ عنها ضغط ذويها كانت تقول إنها إذا لم تلقَ رجلاً يساويها نبلاً وغنى وعِلماً فلن ترضى به عريساً لنفسها.
فلما عيل صبر أمها واحتارت في أمر ابنتها استعانت بناسك قدّيس كان يقيم خارج المدينة. قال الناسك لكاترينا إنه يعرف رجلاً يتمتع بالمزايا التي تطلب، وإن حكمة هذا الرجل تفوق حدود التصوّر، فحكمته مبدأ الكائنات المنظورة وغير المنظورة. وهو لم يتعلَّم الحكمة من أحد لأنها عنده منذ الأزل. من جهة أخرى، هذا الإنسان أنبل من كل أهل الأرض بما لا يقاس، وله سلطان على الكون برمته وقد خلق العالم بقدرته الذاتية. لا أجمل منه في بني البشر لأنه الإله المتجسد، وقد صار إنساناً لأجل خلاصنا. وهو أيضاً يلتمس العروس، وعروسه النفسُ البتول ولا يرضى عن النفس البتول بديلاً. قال لها الناسك ذلك وصرفها.
وعادت كاترينا إلى بيتها متحيّرة ومتأملة. في قلبها فرحٌ وفي نفسها شوق ولهف للقاء الختن كما وصفه لها الناسك. وفي الليلة عينها رأت كاترينا والدة الإله مريم وابنها يسوع المسيح. ولكن الرب يسوع أبى أن ينظر إليها لأنها، كما قال، بشعة وكلها ملوّثة طالما أنها تحت الموت والخطيئة.
فاضطربت كاترينا لهذا الحلم وعادت في اليوم التالي إلى الناسك تسأله العون فعلّمها أسرار الإيمان وعمّدها. ومن جديد ظهرت لها والدة الإله والرب يسوع فقال عنها السيد: “ها هي الآن كاترينا مشرقة، جميلة، غنية ومزدانة بالحكمة والحق. الآن أقبلها عروساً نقية!” ولكي تختم والدة الإله خطبة كاترينا السماوية أخذت خاتماً ووضعته في إصبعها وأوصتها بألا تقبل عريساً آخر لنفسها على الأرض.
وحدث في ذلك الزمان أن قدم الإمبراطور مكسيميانوس (305-311) إلى مدينة الإسكندرية ورغب في أن يُضحّي كلُّ أهل المدينة للأوثان للدلالة على خضوعهم لسلطانه وولائهم لدولته. وفيما باشر كهنة الأوثان بإقامة الطقوس ونحر البهائم، وفيما كان الناس يتدفقون على المكان لتقديم الطاعة للإمبراطور والاشتراك في رفع الذبائح للأصنام، احتدَّت روح كاترينا فيها فجاءت ووقفت أمام الإمبراطور. وبعدما أبدت التحية المعهودة وطلبت الإذن بالكلام، شرعت تقول له إن عبادة الأوثان مفسدة لا يجيزها العقل السليم، والأوثان لا وجود لها، بل المنطق يُظهر أنه لا يمكن أن يكون هناك غير إله واحد هو أصل كلّ الموجودات وعلّتها. وهذا سلّم به كبار الفلاسفة الوثنيين وبيّنوا، في المقابل، فساد الاعتقاد بكثرة الآلهة.
ونزل كلام كاترينا في نفس الإمبراطور نزول الصاعقة، فبدا مأخوذاً بجسارتها ووضوح بيانها وقوة كلامها. كما أُعجِب أكثر بطلعتها وشبابها، فأبدى مرونة نحوها. ثم خطر بباله أن يستدعيها إلى قصره ويجعل مُناظرة بينها وبين حكمائه. وهكذا جرى استدعاء أبرز الحكماء والفلاسفة والخطباء، فاجتمع خمسون منهم، والبعض يقول مئة وخمسون.
وحضرت الساعة وواجهت كاترينا، بنعمة الله، محفلَ الحكماء والفهماء فأفحمتهم جميعاً. وكشفت أمام الجميع ضلالات الكُهّان والشعراء والفلاسفة الوثنيين وبيّنت بالشواهد التناقضات في أقوالهم وتعاليمهم، كما أكدّت أن ما يسميه القوم آلهة ما هو سوى أبالسة مضلِّلة.
ثم بعد أخذٍ وردّ لم يجد الحكماء والفلاسفة والمشتركون في المناظرة بداً من التسليم بصوابية ما نطقت به الصبية الصغيرة. ويبدو أن الروح القدس الذي تكلّم في كاترينا سمع فيهم، فكان أن أعلنوا كلهم الإيمان بالمسيح الذي تؤمن به أمةُ الله. ويقال إن الإمبراطور أمر بإلقائهم طعاماً للنار. والكنيسة تحصيهم اليوم في عداد قديسيها.
أما كاترينا فقد عَلِقَ الإمبراطور بهواها ولعله كان مستعداً أن يغضَّ الطرف عن إيمانها لو رضخت له وقبلت بالزواج منه، ولكنها صدّته. عندها غضب لكرامته وأمر جنده فجلدوها وألقوها في السجن علَّها تلين.
وسمعت الإمبراطورة بكاترينا فتحرّك قلبها، فأتتها زائرة برفقة ضابط اسمه برفيريوس. فلما تعرفت بها وبانت لها نعمة الله عليها آمنت هي أيضاً بالمسيح، وآمن معها برفيريوس والجنود الذين كانوا بإمرته.
ثم إن الإمبراطور عاد إلى المدينة بعد سفر قصير ليكتشف أن امرأته قد آمنت هي الأخرى بإيمان المسيحيين فأمر بقطع هامتها هي وبرفيريوس الضابط وسائر الجنود الذين معه.
وحاول الإمبراطور ثانية وثالثة أن يستميل كاترينا بالحسنى فلم تشأ. إذ ذاك تحوّل كل ميله إليها إلى حقد. ويقال إنه ابتدع دولاباً مسنناً بشفرات حادة لتعذيبها. ولما جعل كاترينا على الدولاب تفكّك وتكّسر وتناثرت قطعه. وإذ ظن الإمبراطور أن ذلك كان بتأثير السحر الذي تتعاطاه الفتاة أمر بإعدامها، فقطع الجلاّد رأسها.
هذا وفي أوائل القرن الثامن للميلاد وجد نسّاكٌ رفاتها على قمة جبل سيناء. ومنذ ذلك الحين صار دير سيناء يُعرف بدير القدّيسة كاترينا. أما كيف انتقلت رفاة القديسة إلى قمة الجبل فليس واضحاً تماماً. ثمة من يقول إن النسّاك عرفوا بأمرها إثر رؤيا وإن ملائكة نقلتها إلى سيناء من الإسكندرية، حيث استشهدت.
من جهة أخرى، يُذكر أنه لا سجلات باقية بشأن القديسة كاترينا ولا ذِكر لها قبل القرن الثامن. والقديس سمعان المترجم هو من كتب في القرن العاشر، السيرة التي نعرفها اليوم.
Share via:
0
Shares