عيد مار مارون

You are currently viewing عيد مار مارون

الخوري نسيم قسطون:

في عيد مار مارون، نستذكر قديساً نذر حياته لله، فكان ناسكاً ومبشراً، وحوّل معبدًا وثنيًا إلى منارةٍ روحيّة. إنه رمزٌ للإيمان الراسخ والالتزام بالرسالة، رغم كلّ التحديات التي واجهتها الكنيسة المارونية عبر التاريخ.
في هذا العيد، نحن مدعوون ليس فقط للاحتفال، بل أيضًا لفحص ضمائرنا والتأمل في مدى وفائنا لروح مار مارون ورسالته.
مار مارون لم يكن مجرد ناسك يعيش في عزلة، بل كان مبشرًا يعمل على بناء ملكوت الله على الأرض. لقد ترك وراءه إرثًا روحيًا عظيمًا، كنيسةً متماسكةً رغم كل الظروف، وقديسين ساروا على دربه. فهل نحن اليوم نقتدي بهذا النهج؟ هل نحوّل قلوبنا وعائلاتنا إلى هياكل للروح القدس؟ أم أننا غرقنا في هموم الحياة المادية، فابتعدنا عن جوهر إيماننا؟
في عالم اليوم، حيث تتحول بعض الكنائس إلى متاحف أو نوادٍ ليلية، وحيث تقتصر زيارتنا للكنيسة على المناسبات، نحن مدعوون لإعادة النظر في أولوياتنا.
مار مارون علمنا أن الإيمان ليس مجرد طقوس، بل هو حياة يومية تعكس محبة الله وتجذرنا في رسالته. فهل نسمح للانقسامات العائلية أو السياسية أن تفرق ما جمعه الله؟ أم أننا نتعلم من مار مارون كيف نجعل الاختلاف تنوعًا يثري جسد المسيح دون أن يفقد وحدته؟
لقد خسر كثيرون منّا اليوم روح النسك التي تميّز بها مار مارون. لقد أصبحنا نلهث وراء الماديات، نبحث عن الشقق الفاخرة والسيارات الباهظة، وننسى قيم العائلة والمجتمع. نحن ننقل التهمة إلى الآخرين، نتساءل: “أين الكنيسة منّا؟”، بينما الإجابة تكمن فينا: “خفف من بطرك، ولن تعوزك النعمة”. فالإيمان الحقيقي يبدأ من الداخل، من اقتناعنا بأننا مسيحيون صالحون، نعيش إيماننا قولًا وفعلًا.
أما في مجال التبشير، فقد أخطأنا عندما حولناه إلى تبشير بسياسيين أو زعماء، بدلًا من أن نكون شهودًا لإيماننا في كل مكان نتواجد فيه فالتبشير الحقيقي ليس ردّ فعل على استفزاز، بل هو أسلوب حياة يعكس محبة الله وعدله. مار مارون علّمنا أن الإيمان ليس شعارات نرفعها في الأزمات، بل هو التزام يومي نعيشه في صمت وتواضع.
ولا ننسى الأرض، تلك الأرض التي سقاها أجدادنا بدمائهم وعرقهم. اليوم، نستسهل بيعها أو إهمالها مقابل مكاسب مادية، متناسين أن هذه الأرض ليست مجرد عقارات، بل هي تاريخ وحضارة وعائلات. أرضنا هي جزء من هويتنا، ومن يفرط بها يفرط بتراثه وقيمه. مار مارون علمنا أن نكون أوفياء للأرض كما نكون أوفياء للسماء.
في هذا العيد، لنسأل أنفسنا: أين نحن من مار مارون؟ هل نحول محيطنا إلى مكان يشع بروح الله؟ هل نعيش إيماننا بصدق في عائلاتنا وأعمالنا؟ أم أننا غرقنا في حب المناصب والمال، فابتعدنا عن جوهر رسالتنا؟
نهج مار مارون ما زال حاضرًا، ينتظر منا أن نعود إلى ذواتنا، إلى إيماننا الأصيل، وأن نعيد ترتيب أولوياتنا.
فلنكن كحبة القمح التي تموت لتعطي ثمرًا كثيرًا كما ورد في إنجيل اليوم (يوحنا 12: 24) ولنعش إيماننا بصدق، ولنكن شهودًا لمحبة الله في كل مكان نتواجد فيه.
كلّ عيد وضمائرنا أقرب إلى الله، وكل عيد ونحن أكثر أمانة لرسالة مار مارون.

اترك تعليقاً