تعتبر المخطوطات والوثائق والكتب المجلّدة يدويّاً من التحف الثمينة التي تحرص المتاحف على اقتنائها. لكن ثمة هواجس كثيرة تخشى من اندثار هذه الحرفة التي باتت تخضع لمنافسة قوية أمام آلات التجليد الحديثة
فن التجليد يعمل على حفظ الكتب من التآكل والتلف، ويزيد من أعمارها، ويعكس معنى وقيمة محتوياتها. كما يترك النظر إلى المجلدات الفخمة متعة كبيرة لا تـقدر، وبهجة غامرة لا توصف
كتب الإنسان القديم كتابه الأول على الطين والحجر، وجدران المعابد والبيوت. وكتب قدماء المصريين على لفائف البردي، وصنعوا من صحائفه كتباً. واستخدم الصينيون الحرير وألواحاً خشبية، كانت عرضة للتلف والحرق. واستخدم اليونان والرومان ألواح الخشب المغلفة بالشمع، ولفائف البردي التي استعملتها شعوب غرب أوروبا. وعرف الرَّق، واستخدم في كتب العهد القديم والجديد. ولم يؤثر الرق على استخدام البردي، ولكن اختلف شكل الكتاب مع استخدام الرق فأصبح على هيئته الحالية. وأصبحت صفحاته ترتب الواحدة تلو الأخرى، وأخذ شكلاً مستطيلاً كما هو اليوم
جرى تقطيع أوراق البردي أو الرق، وخياطتها على أشرطة من الجلد. ثم وضعها بين ألواح رقيقة من الخشب. مع ما قد يضاف إليه من المحسنات كتطعيمه بالعاج، أو تذهيبه بصفائح ذهبية، أو فضية مرصعة بأحجار كريمة. ومن هنا نشأ فن التغليف
ثم تطور التغليف والتجليد ليصبح من الجلد. ومن الجلد أطلق عليها اسم (التجليد)، مع إضافة لمسات فنية وجمالية إليه
وأوّل من عرف هذا الفن هم الأقباط المصريون، فكانوا يعنون بتجليد كتبهم ويتفنون في ذلك
وفي القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) شهد فن التجليد تطوراً كبيراً، دلت عليه أغلفة المصاحف المتقنة في هذه الفترة
انتقل هذا الفن، وتطور في أوروبا، واكتسب فخامة، ورشاقة وغدا صنعة باهظة التكلفة. ونقل البيزنطيون حرفة التجليد بعد سقوط القسطنطينية (1453م) بيد العثمانيين إلى أوروبا
وكان الحرفيون يتنافسون في إظهار مهاراتهم، ويزينون المجلدات التي يصنعونها، ويُراعى في الغلاف أن يكون سميكاً بحيث يحفظ الكتاب من الحرارة والرطوبة، كما يُراعى في الزوايا وضع أربع زوائد معدنية لتحميه من الصدمات والاحتكاكات
وكانت صناعة التجليد البيزنطي قد دخلتها مؤثرات من فن التجليد عند العرب والمسلمين. ومنها بعض الزخرفات الإسلامية المشهورة التي زينت الكتب البيزنطية
لكن تزايد إنتاج الكتب المطبوعة أدى لتبسيط طريقة التجليد. فتدنى التجليد حرفياً وجمالياً. لكنه بقي يرضي قراء الطبقة الوسطى. أما هواة جمع الكتب النفيسة فقد كانوا يوصون المجلدين باستعمال الجلد الثمين، وتزيين كتبهم حسب أذواقهم
ثم تراجع فن التجليد لعدة قرون، ليزدهر من جديد في القرن التاسع عشر. وظهر التجليد الصناعي الذي فتح المجال لاستعمال مواد أخرى
Share via: