أكتب إليكِ لا كواحدة من جمهورك، بل كأنثى تُخاطب أنثى، كإنسانة ترى ما وراء الهالة، ما وراء الصوت الذي أنشدوه لنا كصلاة.
أكتب إليكِ لأنكِ ظلمتِ نفسكِ حين أصبحتِ “فيروز”.
نعم، ظلمتِ “نهاد” حين سلّمتها  لمذبح العادات والتقاليد.
كم قالوا لنا إنكِ نشيد الوطن وملاذ الذاكرة…
لكن من قال إن الوطن لا يبكي؟
من قال إن الصورة يجب أن تبقى صلبة حتى وهي تتمزّق من الداخل؟
رحل زياد، ومشهدكِ يا فيروز كان أقسى من الموت نفسه:
واقفة كأنكِ لا تعرفينه، كأنكِ لم تلديه، كأنكِ لم تغنّي له، لم تبكيه، لم تهتزي…
كأنّ الجمود هو وحده مجد الأمهات العظيمات!
لكنّي أذكّركِ:
حتى مريم، مريم أمّ المسيح، لم تحتمل رؤية ابنها مصلوبًا،
بكت عند قدميه، وبكت على البشرية كلّها.
أما أنتِ، فلم ترفّ لكِ دمعة، ولم يرتجف لكِ صوت.
أيّ صخرٍ زرعوه فيكِ؟
أيّ كفن ارتديتِه حيّة، باسم المجد والرمز والقداسة؟
أين نهاد؟
نهاد الإنسانة، لا المعلّقة على جدران المقاهي والمسرحيات والأغاني؟
أين الطفلة التي لم يسمحوا لها أن تضحك بصوت عالٍ؟
أين الأمّ التي قُدّر لها أن تنجب عبقريًا، ثم تُدفن حيّة بصمتها عند رحيله؟
لا يا فيروز.
ما عدنا نريد تماثيل لا تبكي.
ما عدنا نريد رموزًا مدهونة بالصمت.
نريدكِ نهادًا من جديد.
نبكي معكِ، لا نيابةً عنكِ.
نراكِ، لا نقدّسكِ.
وحين تبكين، حين تكسّرين هذا الصمت الثقيل،
نكون قد أنقذنا الإنسانة التي ظُلمت خلف الأسطورة
زينا خليل-
		
		
