في وطنٍ مقلوب

You are currently viewing في وطنٍ مقلوب

في مجتمعنا،
يستحي الرجل أن يغازل زوجته أمام أطفاله،
لكنّه لا يرى بأسًا في أن يصرخ بوجهها، أو يضربها أمامهم.
نُخفي الحُب وكأنه عيب،
ونُظهر العنف وكأنه رجولة.

في مجتمعنا،
تخشى الزوجة أن تأتمن زوجها على سرٍ يخص أسرتها،
لأنها تعرف تمامًا أن السّر سيتحوّل يومًا إلى سلاح.
سلاح يُشهر في لحظة غضب،
أو يُرمى كطعنة في خاصرة كرامتها.

في مجتمعنا،
نُخفي عواطفنا خجلًا،
ونُجاهر بكراهيتنا بكل فخر.
نُصفّق للمحتال ونعتبره ذكيًّا،
ونحتقر الأمين وننعته بالسذاجة.

في وطني،
تُباع الكتب على الأرصفة،
يغمرها الغبار، وتخنقها رائحة السيارات،
كأن الثقافة تُروَّج كسلعة باهتة في سوق النسيان،
بينما تُعرض الأحذية في محال فخمة، مكيفة، تُمسح كل صباح…
فأيّ مفارقة تلك؟
سلامٌ على أمة “اقرأ”،
حين يُهان فيها القارئ، ويُهمّش الفكر، ويُبجَّل الجلد والزينة.

في مجتمعنا،
لا يحفظ الرجل من النصوص إلا ما يخدم سلطته:
“الرجال قوامون على النساء”
“مثنى وثلاث ورباع”
“إن كيدهن عظيم”
“وللذكر مثل حظ الأنثيين”
“النساء ناقصات عقل ودين”

وينسى – أو يتناسى – آيات ومواقف تعكس الرحمة والعدل:
“خيركم خيركم لأهله”
“رفقًا بالقوارير”
“استوصوا بالنساء خيرًا”
“ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم”
“ولن تعدلوا ولو حرصتم”

لكنّه لا ينفذ منها شيئًا.

في وطني،
الحب ممنوع،
والسب مسموح،
العادات مقدسة،
والعبادات مؤجلة،
المرأة عورة،
والرجل سلطة،
الواثق مغرور،
والموهبة يجب أن تُدفن قبل أن تنبت.

في وطني،
يُستشهد بائع الورد،
ويُعتقل بائع الخضار،
ويُطارد بائع البقالة،
كل الباعة مستهدفون…
إلا من يبيع الوطن،
فهو محميّ، مدلل، مُترف.

وفي هذه الأوطان،
يموت من لا يستحق الموت،
على يد من لا يستحق الحياة.

اترك تعليقاً