تقع كاتدرائية القديس نيقولاوس في مدينة صيدا، وهي تضم أول كرسي أسقفي للجنوب، وتحتفظ أيقوناتها بتاريخ يعود إلى القرن الثامن عشر. قبل القرن الرابع عشر، لم يكن للمسيحيين الحق في إقامة دور عبادة لأداء شعائرهم الدينية، وكانوا يقتصرون على المعابد الوثنية والمقابر كمكان لممارسة شعائرهم، إلا أن الإمبراطور قسطنطين أذن لهم بذلك، فانتشرت الكنائس وأصبح لنور السيد المسيح حضور في كل أنحاء العالم. وكان للبنان حصته، لا سيما في مدينة صيدا، حيث أقيمت هذه الكاتدرائية على اسم القديس نيقولاوس، شفيع البحارة، نظرًا لقربها من الساحل البحري للمدينة.
شُيدت الكنيسة على أنقاض معبد وثني منذ أكثر من ثلاثة قرون، وتشير المصادر إلى أنها بُنيت قبل القرن التاسع، ثم جُدد بناؤها في القرن السادس عشر ضمن أعمال الترميم التي شملت عصر فخر الدين معظم الأماكن الأثرية على الشاطئ البحري، مثل خان الإفرنج وقلعة صيدا، قبل أن يتعرض بعضها للحرق على يد المماليك، بما في ذلك الكنيسة نفسها.
كانت الكنيسة في البداية تجمع الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس، ثم انقسمت سنة 1850 بين الروم الأرثوذكس الذين نالوا ثلث المبنى، والروم الكاثوليك الذين حصلوا على الثلثين، بمراسلة من قاضي عكا الأكبر محمد أبي الهدى التاجي عام 1234هـ، وبناء حائط فاصل بين جهتي الكنيسة تنفيذًا للفرمان السلطاني أيام ولاية سليمان باشا سنة 1819. اليوم، الجهة الكاثوليكية مغلقة ولا تقام فيها شعائر، أما الجهة الأرثوذكسية فتدار من قبل كاهنها الأب جوزيف خوري منذ عام 2003، الذي ينظم الصلوات الأسبوعية والقداس الإلهي أيام الأحد والأعياد، إلى جانب أداء الأسرار المقدسة ورعاية 114 منزلًا تابعًا للروم الأرثوذكس في صيدا ومحيطها.
تتميز الكنيسة بعمارته القديمة وجدرانه الحجرية التي تشبه الحصن المنيع، ورغم ضيق مساحتها، فإنها تضم ثلاث مذابح وركن العمادة، وتجمع المؤمنين تحت سقفها في مناسبات العبادة. أما الأيقونات، فتعود للقرن الثامن عشر، إلى جانب التحف الخشبية والمقاعد التي أضفت على المكان قيمته التاريخية والجمالية.
وللكنيسة قصة مميزة مع الرسولين بولس وبطرس، فقد رويت أن بولس، أثناء نقله من فلسطين إلى روما لتنفيذ الحكم عليه، صادف توقف البواخر في موانئ للراحة والتزود، وهناك التقى بالرعيات المسيحية مستخدمًا إشارة السمكة للتعرف عليهم، والتقى ببطرس في غرفة صغيرة داخل الكنيسة، فترك اللقاء أثرًا دينيًا وروحيًا عميقًا، ما أكسب المكان أهمية خاصة لدى المسيحيين عامة، وللأرثوذكس خصوصًا.
تجسد كاتدرائية القديس نيقولاوس اليوم مدينة صيدا كمكان التقاء الحضارات والديانات، وحافظت على قيمتها التاريخية والدينية عبر العصور، رغم الانقسامات والتحديات التي واجهتها.