كذبة نيسان

You are currently viewing كذبة نيسان
مكرم غصوب-
(من كتاب “تحت العريشه”)
أول نيسان الصبح، لمّا نوعى من النوم، كانت إمّي، وقبل صباح الخير، تحذرنا أنا وخيي واختي، “انتبهو يكروكن، اليوم اول نيسان!” يكرونا، من عبارات جدودنا القديمه، وبعتقد المقصود فيها يضحكو علينا ويستحمرونا، بأول نيسان، يوم الكذب المشروع، اللي الناس بينطروه ليكذبو بضمير مرتاح، لأنّ بالإيام التانيه بكذبو فيها على بعضهن بلا ضمير.
وبأول نيسان، كان بيي يتذكر ويرجع يخبرنا الضرب اللي عملوه هو أصحابه بإيام الصبا، لمّا طبعو وراق نعوه، وعلّقوها بليل 31 آذار، عبواب الكنايس بالضيع القريبه، وصارت الناس تتوافد لتقّدم واجب التعزيه بصاحبهن، اللي بيته حدّ بيت الكنيسه، وصادف كان عم ينكش الجنينه بترم دفنه، وبعد ما عزاه كم حدا مارق، ما بيعرفه شخصياً، “الله يرحمه، تعيش وتاخد عمره” وهو يردّ ومتفاجأ لأن ما بعلمه حدا مات، بيمرق واحد من اللي عاملين المقلب، وبعفويه بقلّه “كل الناس جايي عدفنك وانت قاعد تنكش الجنينه!” فبعد ما يتحسس المموَت جسمه، ويتأكد إنّه ما مات، بيلحقه لصاحبنا بالمنكوش بده يقتله، والناس الحادّه حدّ الكنيسه، يصرخو فيهن “روقو يا شباب، بيكفي بهالنهار ميت واحد.”
أول نيسان، هالكذبه اللي عشتها بطفولتي ومراهقتي متل أغلب الناس ببلادي، خبرتني حقيقتها، العاصفه، اللي سألتها شو جايي تعمل بيوم راس السنه بـ 31 كانون الاول، بعد ما اسوّدت الدني وصار الهوا يزوّبع بالشجر والموت عم يدفن الأرض؟ ضحكت وقالتلي “أيا راس سنه؟ السنه 12 شهر، حدا بعيّد راس السنه بدسمبر، يعني الشهر العاشر، غير المستهلكين اللي عم يقلدو حراميه أغبيا سرقو جدودكن؟ إنتو الحضاره اللي كانت تبلّش سنينها بولادة الحياة، بخصوبة الربيع، إنتو الحضاره اللي سرقوها ومسخوها وموّتوها ونعيوها وصارو يتمسخرو على جدودكن اللي بقيو يعيدو راس السنه من 21 مارس لبداية نيسان وليحطموهن وينهوهن عملوهن “كذبة اول نيسان”. ولأنكن استهلاكيين، سطحولكن المعاني وصرتو تعيدو معهن ذكرى التمسخر على جدودكن وحضارتكن، مبسوطين بالكذب، معميين بالوهم وبارمين ضهوركن لشمس الحقيقيه…وكمّلت “بكرا، رح بتشوفني عم عيّد بالربيع، ورح تشوف دمّ الشهدا عم يزهّر حياة وخصوبه ورح نقلّك “أكيتو بريخو”.
ومن يومها، بطلع اتمشى بالحرش فوق بيتنا، بأول الربيع، طلّ عالسنه الجديده، اللي عم تخلّق، سنة جدودنا الحقيقيه، لمّا كانو جدودنا جزء من هالحياة، مش عايشين برّاتها.
بشوف السنديان العتيق عم يتجدد، وشجرة الحور اللي بعدها مزلّطه، عم بدغدغها الهوا بذاكرة الرقص.
وبشوف فرقة الشحارير الوطنيّه، انضمّ لإلها رفّ حساسين، عم تتدرب بقيادة البلبل المايسترو، على سمفونية الافتتاح.
وبشوف البابونج متلّى الأرض، وبخور مريم مزيّن الصخور والحفافي اللي عمّروها جدودنا.
وبشوف سلحفه عم تتشمس عصخره ما همها تسابق حدا. والنمل صفوف ورا صفوف بتحسّها رايحه تزقّ الشمس…لا بتكلّ ولا بتملّ.
بالطبيعه، يمكن هالكائنات مضطره تاكل بعضها، بس حتّى بموتها فيه تناغم وموسيقى صامته…
ولمّا إرجع عالبيت، بكون داير تلفزيون إمي الصغير، بصير قلّب فيه، وما بيطلعلي، إلاّ عجقه وفوضى وبشر عايشين برّات الحياة، بالكذبه، عم يكذبو على بعضهن لياكلو بعضهن بضجّه ونشاز قبل ما ينطفى هالتلفزيون الكبير ويرجعو ينامو بالكذبه.

اترك تعليقاً