“كرشوني” (وتُلفظ أيضًا: گرشوني، أو غرَشوني، أو Garchouni بفتح الكاف)، هي كلمة مستخدمة في المشرق للدلالة على كتابة اللغة العربية – وأحيانًا لغات أخرى – بالأحرف السريانية.
ورغم أن الاستخدام قد يكون تقنيًا في ظاهره، إلا أن الكلمة نفسها تحمل جذورًا لغوية وثقافية ودلالية عميقة.
ففي تقاليدنا المشرقية، وخاصة في السياق اللبناني والسرياني، استُخدمت الأحرف السريانية لكتابة العربية، بسبب منع العثمانيين استعمال الحرف العربي في الطباعة. ولولا مبادرة الرهبان، ولا سيّما السريان والموارنة، لكتابة النصوص الدينية بالأبجدية السريانية، لربما اندثرت العربية في تلك المرحلة.
لكنّ “كرشوني” ليست مجرد تقنية، بل تحمل في طياتها إشارة إلى الغربة، الإخفاء، التهجين، والتكيّف.
فالجذر السرياني ܓܰܪܫܽܘܢܺܝ (Garshouni) مشتق من “ܓܰܪܫܳܘܢ = Garchon”، والتي تعني الغريب أو المنفي. وتلتقي هذه الكلمة مع العبرية القديمة، حيث نجد فيها “Garchom” بنفس المعنى: الغريب أو المُبعَد. وهي المفارقة ذاتها التي تجعل من اسم موسى في أحد الأوجه التوراتية “غرشون”، أي “الذي يسكن في أرض غريبة”.
من هنا، لا يكون “الكرشوني” فقط شكلاً من أشكال الكتابة، بل تجسيدًا لحالة ثقافية عاشها المشرقيون بين السلطتين الروحية والسياسية، بين اللغة الأم والهوية المهدَّدة، بين ما هو ظاهر وما هو “مستور”.
ولعلّ البعض، كالأب روفائيل نخله، ذهبوا إلى تحليل أعمق، فرأوا أن الكلمة قد تكون مشتقة من الجذر ܟܪܰܣ (كرس) بمعنى أغلق، ستر، أبعد، منع، أو من كلمة ܟܰܪܣܽܘܢܳܐ التي تعني “المستور”، وهو ما يعكس أبعادًا من التحايل الإيجابي للحفاظ على اللغة والثقافة في وجه القمع.
أما من الناحية الصوتية، فقد ساد استخدام الكاف العربية بديلاً لحرف الجومَل السرياني (ܓ)، الذي لا مقابل دقيق له في العربية، لا سيما في أسماء مثل Gaby أو Gamil، ما أتاح ظهور ألفاظ هجينة بين العربية والسريانية، مثل “جرشوني” أو “غرشوني”، وفق التحولات اللهجية.
وفي المحصلة، “الكرشوني” هو شاهد لغوي على الصراع الثقافي والبقاء، وعلى عبقرية التكيّف مع قسوة التاريخ.