لم تكن أغنية “كيفك إنت” التي أطلقتها السيّدة فيروز عام 1991 مجرّد قصيدة حب تقليدية، بل كانت لحظة إنسانية نادرة، انعكست فيها مشاعر أمّ تجاه ابنها، تجمع بين العتاب والحنين، بين السؤال الصادم والحنوّ الخفي.
تعود القصة إلى حين غادر زياد الرحباني لبنان فجأة، ليتزوج من حبيبته ويبدأ حياة جديدة بعيدًا عن والدته. وبعد فترة من الغياب، عاد زياد إلى البلاد، وصادف أن التقى والدته مصادفة. عندها، نظرت إليه فيروز، وقالت بلهفة الأم ودهشتها: “كيفك إنت؟ عم بيقولوا صار عندك ولاد، وأنا مفكرتك براة البلاد…”
هذه العبارة العفوية حفرت أثرًا عميقًا في وجدان زياد، فحوّلها إلى كلمات وألحان، وقدّمها لوالدته أغنية. وعلى الرغم من تردّد فيروز في البداية، إلا أنها استمعت إلى العمل بعد إلحاحه، واحتفظت به أربع سنوات قبل أن تؤدّيه. وحين غنّته، وُلدت لحظة فنية وإنسانية استثنائية، تعكس عمق العلاقة بين أمّ وفنّان، وبين صوتٍ وألمٍ لا يُقال.
منذ تولّي زياد مهمة التلحين لفيروز، تغيّر صوتها ومسارها الفني؛ إذ انتقلت من رمزية الحنين والبطولة إلى التعبير عن الوجع الفردي، والوحدة، والخذلان، والحروب الصغيرة التي يعيشها الإنسان في داخله. لم تعد فيروز فقط صوت الوطن، بل أصبحت مرآة لألمه.
كتب زياد لفيروز كما لو كان يكتب لنفسه: بلا تزيين ولا استعارات. واقعٌ صادقٌ عرّضها للنقد، لكنها لم ترد. واكتفت بالظهور إلى جانبه في الاستوديو، بصمتٍ يختزن محبّة واحترامًا عميقًا، وصفه زياد بجملة واحدة: “فيروز بتعرفني أكتر ما بعرف حالي.”
