مكرم غصوب-
على حيط زريبة البقر كان بيي معلَق خشبات منحوتين معقولين ببعضهن بطريقه فنيّه، مشكلين مع العنكبوت جداريّه يمكن بتشبه بمعانيها “جرنيكا” بيكاسو!
كنت بعدني كتير صغير وبدهشة الطفل سألت بيي، شو هودي اللي عالحيط، قلّي ” سكّة الفلاحه” اللي كان جدّك يستعملها. هلّق صارت للذكرى بعد ما صرنا نستعمل التراكتور.
والسكّه هي الطريق الجالس، وسكّة الفلاحه هي الطريقه الطريق، اللي عراسها يكون في نيرين، لثورين يجرّو السكّه، قرينين، يعني رفيقين، القرن عالقرن، أحلى ما تلتوي الطريق، ويطلع التلم أعوج من الثور الكبير…العقل اوقات متل الفلّاح اللي بسوق السكّه، بكبّر ثور على الثاني، ليلتفّ على حاله بس متل ما كتبت بـ “قالوا لي”، “لا قيمة لعقل يلتفّ على ذاته، مهما بلغ من الحنكة، لأنّه يعالج الوهم بالكذب والكذب بالوهم.” وأوقات العقل بكون تجاوزي وشايف وبدّه المعنى العميق، فبلفّ بالثورين القرينين لما يقلع شجره من الأرض، بس الناس ما بيقدرو يميزو لفته عن التلم الأعوج ولا حتّى الشجره من هيك كمان قلت بـ”قالوا لي”:
“أحياناً يلتوي الطريق
كي لا يتسبب في قطع شجرة
فيقولون: عدل عن استقامته
وتجاريهم الشجرة…”
ببلادنا قديماً، كان كتار يسمّو المرا (الزوجه)، قرينه، لأن كانت المرا عنّا تمشي حدّ الرجالّ، اللي لمّا صار مفكّر حاله ثور كبير، صار ثلم العيله أعوج…وبعدها صارو يسمّو المرا عقيله، وقدّ ما جمّلو بالمعنى والشرح، ولو كلمة عقيله فيها من العقل الرابط، العقيله بالأساس هي البهيمه المربوطه، اللي ماشيي ورا اللي سايقها، وقدّيش بعدنا لليوم منشوف ذكور ماشيين ونسوانهن وراهن…وبعدنا منقول “وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة” وبالرغم إنّه الوراء هون بتجي بمعنى الداعم، بيسوى نقول حدّ كل رجّال عظيم مرا عظيمه وما نتركها بالخلفيّه المعتمه! قول اليوم، كتار صارو متل ثيران مش ماشيين حدّ بعضهن، ثيران صايبهن عمى الألوان وعم بنطحّو بعضهن وبذكروني باللي كتبته بـ “الطارق”:
“حين عرفتُ أنّ الثور مصاب بعمى الألوان، سألتني،
هل اللون كذبة؟ أم العمى كذبة؟ أم الثور كذبة؟
…قبل أن أرى الثور أحمر.”
شخصياً انا بفضّل نقول “مارت” للمرا، هالكلمه الكنعانيّه الآراميه القديمه، اللي بتعني “السيّده” صفة الدلاله على الألوهه عند جدودنا، وللأسف، صارت عند أجيالنا الحاليّه، الجاهله المدعيه الفهم، مزمّه إذا نادى رجّال زوجته “مرتي” أي سيدتي… ومن فتره قبل رمضان، جمعتني الصدفه بشباب بيشتغلو بمسلسل طلبو مني احضرو، وعم بنكتو على رجعية بطلين، كيف هو بعيطلها “مرتي” وهي بتعيطلو “بعلي” وعلى حدّ قولهن “متل الجايين من ورا البقر” فاضطريت فككلهن متلازمة “الجهل_الإدعا” وفسرلهن شو معنى مرتي , وإنّه “بعل” هو السيّد الإله وإنّه كلّ الحضاره إجت من ورا البقر…
بزريبة البقر عند بيي، ما كان في إلّا ثور واحد، ثور كبير بقرنين كبار، مش للفلاحه لأن الفلاحه تطوّرت وصارت عالتراكتور، هالثور كان ليشبّو منه، يعني يزوجوه، وكان مفكّر حاله مهمّ كتير، لأن كل فلاحين المنطقه، يجيبو بقراتهن يزوجوها عنّا…يمكن هالثور كان آخر الثيران، اللي لقيو معنى للحياة ولو معنى سطحي، لأن اليوم صارو يزوجو البقر بالأنبوب، وكلّ الثيران صارت تنعلف للدبح أو تتربى للمراهنات بحلبات المصارعه، ونهايتها القتل…ولهيك بـ “قالوا لي” كتبت:
“قال لي الثور:
بقتلي ينتصر الحيوان في داخلكم.
قبل أن تجرّه البغال ميتاً الى خارج حلبة المصارعة على وقع التصفيق والتهليل البشري للإنسان القاتل البطل.”
الثيران ما بينلامو على مصيرهن، لأنهم بكلّ مراحل وظيفتهن الوجوديه، كانو معقولين بعقل البشري، بس المشكله بالبشري، اللي عنده العقل، وعقله الأرض والسكّه. بس ما تعلّم أصول الفلاحه…وكلّ ما إله التلم بيعوّج!