لماذا الانتخابات في الرابطة المارونيّة؟

الأب بشارة الخوري ر.م.م-

رئيس جامعة سيّدة اللويزة (NDU)

إلى جميـع المعنييـن بانتخـابات الرابطـة المـارونيّـة في التّـاسع عشر من الجـاري مرشحيـن ونـاخبيـن وداعميـن و…

بيـن تأسيس الرابطـة في العـام 1952، وما هي عليـه في الــ 2022 وربّمـا قبل اليـوم بعقـديـن، تغيّـرت أشيـاء كثيرة في عالم الرابطـة: رؤىً وأهدافًا وأداءً وموقِعًا وفاعليّـة. وإذا كـان التغيير تصاعديًّا، كمـا نفهمه بالمطلـق والمنطق، هادفًا إلى التطـوير، ساعيًا إلى التنامي، فليْسَ بيننـا من يُعارضُهُ، وكُلُّنـا متطـوّعـون لتأييده والسّيـر في رَكْبِـهِ لبنـاء مجتمع مارونيّ لبنـانيّ مشرقيّ أكثر قوّة وحضورًا وتأثيرًا…

أمّـا إذا جـاء التغييرُ انحداريًّا، أو على الأقَلّ باهِتًا، خاليًا من أيَّـةِ علامـةٍ فارقـة، مجرَّدًا من أيَّـةِ بصْمـةٍ إيجـابيّـة، فإنّ لنـا منه موقِفًا مُغايـرًا بل رافضًا. وعدم الموافقـة على خطـواتٍ كثيرة هو حقٌّ من حقوقنـا، فالرابطـة المارونيّـة هي لكلِّ الموارنـة وليسَتْ حِكـرًا على أعضائها المنتميـن إليها…

نَعَـمْ يا سـادة! نحنُ اليـومَ في زمـنٍ استثنائيّ يُحتِّمُ على الجميـع مواقِفَ وخطـواتٍ استثنائيّـة ومبادراتٍ رؤيويّـة.

صحيـحٌ أنّ انتخـابـات الرابطـة المارونيّـة هي ككلّ انتخابات، استحقاق ديموقراطيّ ضروريّ وحيويّ…

ولكن ألا ترون معي أنَّ الرابطـة التي تُمثّـلُ بنُخبِها مَن تُمثِّـلُ، من المفتـرض أن تكـونَ انتخاباتُها هي أيضًا نخبويّـة، عَنيْـتُ أن تجـريَ في أجـواء وبأساليب غير كلاسيكيَّـة، وفي معركـةٍ لا تحمـل من مفهوم المعركـة سوى الاسم، فتكـون هادئـة بيضـاءَ واعدةً توحي من خلالِ قيادتِهـا الجديدة بتغييرٍ إيجابيٍّ واضح وكبير؟!

ففي غمـرةِ ما نسمـعُ ونرى من مواقف وبيـانات وتصريحـات ذات صلـة بانتخابـات الرابطـة المارونيّـة المزمَعـة، نَسْـأل ونتسـاءَل: علامَ كُلُّ هذا الضجيج؟ وإلامَ سَيُفضي هذا السبـاق – الصراع؟

ألَـمْ تتسـاءَلـوا سيّدات ويا سادة، يا أيُّهـا المعنيّـون بانتخابـات الرابطـة المارونيّـة، إلى متى سيبقـى الموارنـة عنوان الانقسـام والخصـام في هذا البلد؟

إلى أيَّـةِ انتخابـات أنتم ذاهبـون فيمـا قـادة الموارنـةِ منقسمـون، متبـاعدون، ضُعفـاء ولو بنِسَـبٍ مختلفـة، كلٌّ يبحثُ عن حليفٍ غير ماروني ليقوى به، فيمـا كـان الآخـرون على امتدادِ سنواتٍ يسعـون إلى حلف مع الموارنـة؟

كُلُّكم تجاهـرون بقربكم من بكركي وقد حجزتم لكم مقـاعد تحت مظلّتها، وهذا أمْرٌ جيِّدٌ ومُسْتَحسَـنٌ، وها هي بكركي تحتضِـنُ جميـعَ المرشّحيـن وعلى مسـافـة واحدةٍ، ولَكِـنْ ماذا بعد؟

هل تريدون بكركي غطاء انتخابيًا تنتهـي صلاحيَّتُه مساء التـاسع عشر من آذار؟

هل تريـدون من عبـاءَة بكركي جسْـرَ عبـورٍ إلى وجاهَـةٍ فارغـةٍ من أيّ مضمـونٍ مارونيّ وطنـي؟

ماذا تفعلـون؟ وماذا ستفعلـون؟ وأيّ فرقٍ ستُحدِثون؟ وكيف سَتُسـاهمـون في كـتابـةِ تـاريخ الموارنـة الجديـد وتاريخ لبنـان الجديد؟

المطلـوب منكم اليـوم أكبـر بكثيـر ممّـا يَـرِدُ في بيـاناتكم الانتخابيّـة الفضفاضة والتي باتت تشبه، مع اعتذاري، البيانات الحكوميَّة ووعود المرشحين الى المقاعد النيابيَّة.

كفانـا نحن الموارنـة ونحن اللبنـانييـن كلامًا ومزايـدات. كفانـا دِفـاعًا عن برامـجَ، هي، على أهميّتها، أصغر من انتظـارات الموارنـة، ويمكن لأيّ جمعيّـة أو رابطـة أو نـادٍ القيـام بها.

الرابطـة المارونيّـة، بالإضـافة إلى مـا ورد في مقـدّمـةِ نظـامها، مسؤولـة اليـوم عن صـون مجد لبنـانَ، مسؤولـة عن لـــمِّ شمْـل الموارنـة قـادةً وشعبًا، مسؤولـة عن ردم الهوّات العميقـة بين الموارنـة من جهة، وبينهم وسـائر المكوّنـات اللبنـانيّـة من جهة أخرى. هي مدعـوّةٌ إلى ربـطِ الموارنـة وترابُطهم، إلى جعْلِ مارونيّتهم رابطـة في مـا بينهم.

الرابطـة المارونيّـة الموعودة لا يُمكنُهـا أن تكـونَ هيئـةً عاديَّـة، وحريٌّ بسنـواتِ ولايتها الثلاث أن تسـاوي ثلاثيـن سنـة من النضـال المارونيّ ليبقـى الموارنـة وليستعيدوا ما كان لهم وما يجب أن يكـون لهم وما يجب أن يكونوا عليه.

نَعَـمْ، ما هُـم الموارنـةُ فيه وعليه اليوم، يُنْذِرُ بالخطـر، ولا يُبعِـدُ هذا الشبح سوى الالتفاف حول بكركي وسيّـدهـا ودعم طروحاتِه والعمـل لتجسيدها حقائق ووقائع، من الحيادِ الإيجابيّ، إلى نهائيّـة الوطـن، إلى سياسـة الانفتـاح على الشرق والغرب، إلى قبول الآخر، الخ…

والرابطـة المارونيّـة كما كلّ الموارنـة الواعيـن، مدعوّون اليـومَ قَبْلَ الغدِ إلى كتـابـةِ مشاريع تحافظ على الوجود المارونيّ، ليسَ فقط في مؤسّسـاتِ الدولـة وإداراتها، بل أيضًا في أرضٍ قضـى لأجلِ بقائهـا كُثُـــــرٌ…

كُلُّنـا مدعوون إلى صياغة مشاريع تربويّـة، اقتصاديّـة تنمويّة للحفاظ على النسيج اللبنانيّ الذي لطالما حاكَهُ الموارنـة. اكتبوها بالتعاون مع النخب والانتليجنسيا intelligentsia)) المارونيَّة في الجامعاتِ والمحافل وفي كل المواقِع المفكِّرة.

يا سـادة! المعادَلـة هي هي: أو أن يكـون الموارنـة أو لا يكونون، أن يكـون الموارنـة ليكـون لبنـان أو وداعًا لبنـان.

من هنـا، مسؤوليّتكم تاريخيّـة يا أيُّها المعنيّـون بانتخابـات الرابطـة المارونيّـة.
فرجـاءً فكّـروا مرّتيـن.



اترك تعليقاً